للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يُمكن أن يُجابَ به عن هذا هو أن يقال: قد علمنا (١) أن في آخرِ أيام الصحابة حدثت مذاهبُ وأفعال أوجبت الفسقَ عند كثيرٍ منهم، كمذاهب الخوارج، وحروبِ مَنْ حارب من البغاة، ولم يُنْقلْ أن أحداً ردَّ شهادة هؤلاء وحديثهم، ولو وقع الرَّدُّ، لنقل حتى قال عليه السلام في الرد على ما ادَّعي من الإجماع: إنَّا لا نعلم قبول الكل منهم لشهادة هؤلاء وحديثهم، والمسألة محتملة للنظر. انتهي كلامه عليه السلام.

وهو ظاهر في أنَّه لم يدفع دعوى الإجماعِ بالعلم ببطلانها بل بين أنظاراً عرضت له أوجبت القدح في العلم بصحة دعوى الإجماع، ولم يُوجب العلم ببطلان دعوى الإجماع، ولهذا قال: إن كان دعوى الإجماع صحيحاً، فاتباعُه واجب، وليس يقول هكذا، وهو يعلم أن الإجماع باطل، وأوضح من هذا قولُه في آخر الكلام: والمسألة محتملة للنظر.

وهو ظاهر في المقصود، ويقوي ذلك أنَّه عليه السلام قد روى عنهم في كتابه " الأمالي " وهذا أمارة مقوية (٢) لا حُجَّةٌ مستقلة.

فإذا ثبت هذا، لم يكن في كلام أبي طالب عليه السلامُ اعتراضٌ قادح على من ادَّعى العلم بالإجمْاع من الأئمة عليهم السلامُ، فإن العلمَ فعلُ الله تعالى، وقد يخلقه للبعض دون البعض فيما لا يجب التسويةُ فيه من علوم العقل الضرورية التي يجب أن يشتركَ فيها جميعُ المكلفين، وقد ثبت أن الراوي الجازمَ القاطعَ المدعيَ للعلم بصحة ما روى مقبولٌ متى كان ثقة عدلاً في دينه، وثبت أن روايته لا تُعارض بشك من شَكَّ من العدول في صحة ما روى، وإنما تُعارض بخبر مَنْ هو مثلُه في العدالة متى أخبر أنه يعلم بطلانَ خبره، وتعارض الخبران. ومثال (٣) ذلك: لو قال قائل:


(١) " قد علمنا " ساقط من (ب).
(٢) في (ش): وهذه أمارة قوية.
(٣) في (ب): مثال.

<<  <  ج: ص:  >  >>