للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرجوح، لأن فيه مضرَّة مرجوحة، والمضرةُ المجوزة مِن غير رجحان لا يجبُ الاحترازُ منها، فكيف إذا كانت مرجوحةً موهومةً، فلم يقل أحدٌ من العقلاء بوجوب الاحتراز من ذلك، ولو وجب مثلُ ذلك، لوجب على العقلاء أن يخرجوا من بيوتهم خوفاً لسقوطها عليهم مِن غير أمارة للسقوط.

وثالثها: أنَّ الراجح المظنون (١) لا يُسمى ريباً في اللغة، ولهذا، فإن الإنسانَ إذا غابَ من منزله وأولادِه ساعةً من نهار، وعهده بالدار صحيحةً، وبأهله سالمين، فإنه لا يُسمى مريباً في انهدام الدارِ، وموتِ الأولاد لمجرد أن ذلك ممكن مِن غير محال، وهذا واضح، وقد ذكر الزمخشريُّ (٢) هذا المعنى في قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠].

الحجة الموفية ثلاثين: ما ثبت في الصحمِح من قوله عليه السلامُ: " الحَلاَلُ بيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُما أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَن اتَّقى الشُّبُهَاتِ، اسْتَبْرأ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ " الحديث (٣)، وفيه ما لا يخفى من الحثِّ على تركِ المتشابهات، ولا شَكَّ أنَّ رَدَّ المتأولين من المتشابهات لوجوه:

أحدُها: ظَنُّ صدقهم.

وثانيها: دعوى الثقاتِ من الأُمة الإجماعَ على قبولهم، ولم يَدَّعِ أحدٌ الإجماعَ على ردهم، كما قدمنا.

وثالثها: أنَّهم إذا رَوَوْا عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه حرم شيئاً، فإنَّه لا يكونُ


(١) في (ب): المظنون الراجح.
(٢) ٤/ ٩٢ - ٩٣.
(٣) تقدم تخريجه في الصفحة ٣٣٥ من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>