للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه الحديثُ " وأكَلَ ذَبِيحَتَنَا " جعل ذلك شرطاً في الإسلام بخلاف المباحِ على الأصل.

الرابع: أنَّه أحوطُ إما كُلُّه وإما أكثره فيجب قبولُ الجميع، لأن تركَ قبولِ الجميع تغليبٌ للنادر على الأكثر، وهو مثلُ ترجيح المرجوح على الراجح، وهو خلاف المعقول، وقبولُ البعضِ دونَ البعض تحَكُّمٌ. إنما قلنا: أحوطُ، لأنَّ حديثَهم إن عارض الكتابَ، أو ما هو أرجحُ (١) منه مِن حديث الثقات لم يعمل به إذ هو مرجوحٌ، وإن لم يُعارض، فالفرضُ أنَّه ورد في مباح يجوز تركُه وفعلُه، فإن اقتضى التحريمَ، فالتركُ أحوطُ، وإن اقتضى الوجوبَ، فالفعلُ أحوط، وهذا الوجه يختص بما لم يخصّ العموم المعلوم.

الخامس: نحن نعلمُ بالقرائنِ صِدْقَ أكثرِه، لأنَّ الدواعي إلى الصدق في حديثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوفِّرَةٌ وهي العلم بما فيه مِن كثرة الثواب الوارد في حفظ العلم وتعليمه، وبما في كتمه والكذب فيه مِن العقاب، والصوارفُ منتفية، لأنَّه ليس في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهوةٌ ورغبة، وللأكثرين مثلُ ما في غيره مِن سائر المعاصي المحبوبة بنفسها، مثل الزنى، وأكلِ الحرام، ولا هو من الأكاذيب المؤدِّية إلى ذلك غالباً مثل الشهادة الباطلة في الأموال.

ويدل على هذا وجهان:

أحدهما: أنَّه ربما مضى عمرُ الفاسق المصرح وما كَذَب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذبةً واحدة متعمِّداً لها، ولعله لا يمضي له (٢) يوم لم يكذب فيه في مصالح دنياه، فأما العصيانُ بغيرِ الكذب، فلا يكاد ينفك.


(١) في (ب): راجح.
(٢) ساقطة من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>