للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ على الخُفَّيْنِ بعد نزولِ المائدة؟ سَلُوا علياً عن هذا، فإنّه كان لا يُفَارِقه في سفرٍ ولا حضر (١). وإذا ثبت أن مزية الضبط كانت معتبرةً في ذلك، إذ لا فائدةَ في اعتبار حالِ الضبط لما يرويه إلا حصول (٢) قوة الظن عند خبره. انتهي كلامه عليه السلام. وبتمام هذا الكلام ثم الإشكال الثالث.

فإذا عرفت هذه القَاعدة، فالإِنصاف أن تقولَ: لا يخلو المبتدع إما أن تكون بدعتُه القولَ بالإرجاءِ أو غيرِه، إِن كانت بدعتُه القول بالإرجاء، فإن استويا في جميع وجوه الترجيح إِلا أنَّ أحدَهما مرجىء، وأحدهما وعيدي رجح خبر الوعيدي على خبر المرجىء، لأنهما اختلفا في أمر يُوجِبُ تفاوتَ الظنِّ المعتبر في الأخبار، فإنَّه لا شَكَّ مع الاستواء في وجوه الترجيح أن من يخاف العذابَ على ذلك الذنبِ بعينه وعلى غيره مِن الذنوب أبعدُ من الذنب ممن لا يخاف العذابَ عليه، وإنما يخاف مِن ذنب الكُفر. وإن لم يستويا في وجوهِ الترجيح مثل أن يكونَ الراوي للخبر جماعةً من المبتدعة مشهورين بالحفظ (٣) والإتقان الجيد، ويُخالفهم عدلٌ متنزّه مِن البدع إلاَّ أنَّه منحط عن مرتبتهم في الضبط والحفظ، ومتفرِّدٌ لم يُتابعه غيرُه على ما روى، فها هنا تختلِفُ الظنونُ، ولا يجري القولُ على


(١) أخرجه أحمد ١/ ٩٦، ومسلم (٢٧٦)، وابن أبي شية ١/ ١٧٧، والنسائي ١/ ٨٤، وابن ماجة (٥٥٢)، وعبد الرزاق (٧٨٩) من طرق عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانىء قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: سل عليّاً، فإنه أعلم بهذا مني، كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فسألت عليّاً، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة ". وانظر حديث جرير في " سير أعلام النبلاء " ٢/ ٥٢٣.
(٢) سقطت من (ب).
(٣) في (ب): في الحفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>