قلتُ: فالترجيحُ بمرجِّحٍ مُجْمَعٍ على أنَّه مرجِّحٌ، ومجمعٍ على الإجماعِ على الترجيح به، أولى من الترجيح بالنزاهة عن البِدعة، لأنه غيرُ مجمع على الترجيح به، أو متنازع في الإجماعِ على الترجيح به، وكذلك منْ يرى أن الواجبَ حكايةُ اللفظ، وأن الروايةَ بالمعنى حرامٌ، فإنَّ روايتَه أقوى من رواية مَنْ يرى جوازَ الحكاية بالمعنى متى استويا في جميع وجوهِ الترجيح إلا في هذا.
فإن قلتَ: وما مثالُ تلك الصورةِ التي يكون الظنُّ مرجحاً لِخبرِ المبتدع فيها؟
قلتُ: لذلك صُوَرٌ كثيرة:
فمنها: أنا نعلم أن المبتدعَ لو كان حافظاً لِكتاب مِن الكتب عن ظهر قلبه، إما القرآنُ الكريم، أو مِن كتب الحديث، أو اللغة، أو النحو، أو الفقه، أو غير ذلك، وكان معروفاً بالتجويد فيه، والإتقان له، معروفاً بأنه يُعيده كُلَّ ليلةٍ أوْ كُلَّ أسبوعٍ أو نحو ذلك عن ظهر قلبه، مشهوراً بالتدريس فيه، منقطعاً في الاشتغال به، مُجَرَّباً في سرعة الجواب، وإصابة مَحَزِّ الصَّوابِ إذا سُئِلَ عن شيء من مسائله وألفاظه، وما يتعلق بضبطه، مختبراً حين يُعارض في ذلك بالتبريز على الأقران، والتجويد عند (١) الامتحان، فإنَّكَ متى عرفتَه بهذه الصفة، وتمكَّنَتْ في نفسِك هذه المعرفةُ، وأخبرك عن مسألة في كتابه هذا الذي اشتهر بحفظه، وجَوَّدَ في نقله بلفظه، ثم عارضه رَجُلٌ من أهل العدل والتوحيد في تلك المسألة،