للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعضُ حفاط الحديث: صدق -واللهِ- سفيانُ، فإن طلبَ الحديث شيء غيرُ الحديث، وطلب الحديث اسمٌ عرفي لأمورٍ زائدة على تحصيل ماهية الحديثِ، وكثيرٌ منها مَرَاقٍ إلى العلم، وأكثرُها أمور يَشْغَف بها المحدِّثُ من تحصيل النُّسَخِ المَلِيحَةِ، وتطلُّبِ العالي، وتكثيرِ الشيوخ، والفرحِ بالألقاب والثناء، وتمنِّي العمر الطويل ليروي، وحبّ التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الرّبّانيّة، فإن كان طلبُ الحديث النبوي محفوفاً بهذه الآفات، فمتى خلاصُك منها إلى الإخلاص؟، ومتى كان علم الآثار مدخولاً، فما ظَنُّك بعلم المنطقِ والجَدَلِ وحكمة الأوائلِ التي تَسْلُبُ الإيمانَ، وتورِث الشُّكُوكَ والحَيْرَةَ. انتهى (١).

قلتُ: فالذي اشتغل به أهلُ البيت عليهم السلام هو الذي روي فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: " العِلْم ثَلَاثةٌ، وَمَا سِوى ذلِكَ، فَهوَ فَضْلٌ: آيَة مُحْكَمَة، وَسُنَّةٌ قَائمَةٌ، أوْ فَرِيْضَةٌ عَادِلَة " رواه أبو داود في سننه (٢) وهذا هو


= يقول هذا مع قوله للخريبي: ليس شيء أنفع للنَّاس من الحديث! وقال أبو داود: سمعت الثوري يقول: ما أخاف على شيء أن يُدخلني النار إلاَّ الحديث، وعن سفيان قال: وددتُ أني قرأت القرآن، ووقفت عنده لم أتجاوزه إلى غيره، وعن سفيان قال: وددت أن علمي نسخ من صدري، ألستُ أريد أن أسأل غداً عن كل حديث رويته: أيشٍ أردت به؟ قال يحيى القطان: كان الثوري قد غلبت عليه شهوة الحديث، ما أخاف عليه إلاَّ من حبه للحديث.
قلت (القائل الذهبي): حب ذات الحديث، والعمل به لله مطلوب من زاد المعاد، وحب روايته وعواليه والتكثر بمعرفته وفهمه مذموم مخوف، فهو الذي خاف منه سفيان والقطان وأهل المراقبة، فإن كثيراً من ذلك وبال على المحدث. وانظر " شرف أصحاب الحديث " ص ١٢٣ - ١٤٠.
(١) وانظر ما قاله الإمام الذهبي في " زغل العلم " ص ٢٧ - ٣٣.
(٢) (٢٨٨٥)، ورواه ابن ماجة (٥٤)، والحاكم ٤/ ٣٣٢ من حديث عبد الله بن عمرو، وفي سنده عندهم عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وعبد الرحمن بن رافع، وهما ضعيفان.

<<  <  ج: ص:  >  >>