للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم الذي لا ينبغي لأحدٍ أن يشتغل بعدَهَ بغيره عن الجهاد والأمرِ بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأمثالِ ذلك مما نطقت بالحثِّ عليه الآياتُ القرآنية، والآثارُ النبوية، فإنه ليس في القرآن مِن الأمرِ بطلب العلم الزائدِ على الكفاية مثل ما فيه مِن الثناء على الخاشعين في الصلاة، المعرضين عن اللغو، الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس الذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلوبُهم، وإذا سَمِعُوا وعيدَه اقشعرَّتْ جلودُهم، وكذلك الحديثُ فإن في " الصحيحين " والسُّننِ الثلاث و" المُوطأ " ثمانيةً وستين حديثاً في الحثِّ على الجهادِ، وفيها في الحث على طلب العِلْمِ ثمانية أحاديث، وذلك يدل على أن أمرَ الجهاد بعد تحصيل ما لا بُدَّ منه من العلم أهمُّ أمورِ الدين. فانظر بعين الإنصاف إلى أئمة العِترة الطاهرة، ونجومِ العلم الزاهرة كيف سَلِمَتْ علومُهم مِن كُلِّ شينٍ، وخَلَصَتْ مِنْ كل عيب، ولم يَشبْ تصانِيفَهم شيءٌ مِن غُلُوِّ (١) المتكلمين، ولا حَطَّ مِن قدر شيعتهم المتعبدين شيءٌ مِن بدع المتصوفين، ولا ظهر في أدلتهم على مذاهبهم شيءٌ مِن تكلف المتعصبين، ولا استمالَتْهُم عَن المِنهاج السَّوِيِّ شُبَهُ المشبِّهين، تنزَّهُوا عن غلو الإماميةِ الجُهَّالِ، وعَمَايَةِ النَّواصِبِ الضُّلال، وهَفَواتِ أهلِ الحديث والاعتزالِ، فهم النُّمْرُقَة الوسطى، والمَحَجَّةُ البَيْضَاءُ، والحُجَّةُ الغراء، وسفينةُ النجاة، والعِصْمَةُ مِن الأهواء (٢) بعدَ أبيهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين.

تكميل: من حَصَّل ما فيه كفايةٌ مِن العلم، ولم يتشاغل بما كان عليه السَّلَفُ الصالح من الجهاد وإصلاحِ أمر المسلمين، فالأولى له


(١) في (ش) علوم.
(٢) هذا غلو في المدح وتجاوز في الإطراء لا عهد لنا بمثله عند المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>