للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض أهل العلمِ: يُقدَّمُ النَّاسخُ وإن كان ظَنِّيَّا على المنسوخ، وإن كان قطعياً، واحتجَّ على ذلك بأنَّ المنسوخَ من القطعي هو (١) أمرٌ مظنونٌ، وهو دوامُ العمل به واستمرارُه، والدَّليل على أنَّ دوامَهُ مظنونٌ بتجويزُ النَّسْخِ عليْه، وتحريمُ العملِ به على العالِمِ حتَّى يطلُبَ النَّاسِخَ، فلا يجِدُهُ، فلو كان الدَّوام معلوماً، لاستحال مع العِلْمِ به تجويزُ النَّسخِ، ولَكَان طَلَبُ النَّاسِخ عَبَثاً، وإنَّما المقطوعُ بهِ ثبوتُه فيما مضى لم يُنْسَخْ، فيحتاجُ إلى ناسخٍ قاطعٍ.

وبعدُ، فليسَ يَصْلُحُ أن يكونَ الأمرُ المنسوخُ بالناسِخِ القطعيِّ مقطوعاً به؛ لأنَّه لو كان كذلك، لأدَّى إلى تعارُضِ الأدِلَّةِ القاطِعَةِ، وهو محالٌ، فإذا ثبتَ أنَّ المنسوخَ هو الدوامُ والاستمرارُ، وأنَّ ذلِكَ القَدْرَ مظنونٌ في القطعيِّ وغيره، وثبتَ أنَّ النَّسْخَ عليه مُجَوَّز مُحتَملٌ قَبْلَ (٢) ورودِ الناسِخِ الظَّنِّيَ، فلا شَكَّ أنَّ النَّاسِخ الظَّنِّيِّ إذا ورد، اقتضى رُجحان النَسخِ ومرجوحية عَدَمِ النَّسْخِ، فكيف يقال في المرجوحِ الَّذي ليس بِمظْنونِ الثُّبوتِ: إِنَّهُ مقطوعٌ (٣) بثبوتهِ، وليس براجح ولا مساوٍ، بل مرجوحٌ موهومٌ، وبعد ثبوت كونهِ مرجوحاً موهوماً، كيف يَصِحُّ في النظَرِ التَمَسُّكُ به، وتركُ ناسخِهِ المظنون الثبوتِ الرَّاجِحِ الصِّحَّةِ، ولو صَحَّ قولُ القائل: إنَّ المنسوخَ القطعيَّ معلومُ الثُّبوتِ، وإنَّ الظنِّيِّ لا يعارِضُ العلم، لكانَ يَجِبُ أنْ يقطع على كَذِبِ مَنْ روى النَّاسِخَ، لأن مَنْ أخبر بأنَّ المعلومَ الثبوتِ غير ثابتٍ، وَجَب القطعُ بتكذيبِهِ، وهذا ما لم يَقُلْ به قائلٌ.


(١) في (ش): " وهو".
(٢) سقطت من (ش).
(٣) في (ش): " إنَّه ليس مقطوع ".

<<  <  ج: ص:  >  >>