للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العِلَّةِ، بل لعل العِلَّة زالت بَعْدَ الهِجْرَهَ مِنْ مَكةَ إلى المدينَةِ، فأمَّا بعد الفَتْح، فَبِغَيْر شَكٍّ.

وقد طُعِنَ في هذا الحديث بِأمْرٍ عقليٍّ، وهو أن الرحمنَ مذكورٌ في الفَاتِحَةِ، ولم يُخَافِتْ بها، فما تعني حينئذٍ المخافَتَةُ بالبسملَةِ؟ ويُمْكِنُ الجوابُ على ذلك بأنَّ (١) الرحمن في الفاتحة وقع صَِفَةً لِربِّ العالمين، وموصوفاً بِمَلِكِ يَوْمِ الدين، فكان أبعدَ منَ الشُبْهَةِ وأكثرَ تَمَيُّزَاً، وأقلَّ لَبْساً، أو غيرَ ذلك، واللهُ أعْلَمُ، وأيضاً فالأنظارُ المحتَمَلَةُ لا تُرَدُّ بها الآثارُ كما لا تُرَدُّ بها الشرَائعُ. فإذا تقرَّر هذا، فَمِنَ الجائزِ أني أذهبُ إلى النسْخِ، وَمَن اعْتَقدَ في خبرٍ أنَّه منسوخ، لم يَصِح أنْ يُرَجِّحَ بَيْنَهُ وبين النَاسخ عند أهلِ المعرفة؛ لأني قد قَبِلْتُ الذي روى المنسوخَ، وصدقْتهُ، لكِنَّه ثبت لي مِنْ غير طريقِهِ أنَّ ما رواه منسوخٌ، فقبلتُ الرِّوايَتَيْنِ معاً (٢) إذ (٣) كانتا عَنْ ثَقتَيْنِ عَدْلَيْنِ، وعَمِلْتُ بمقتضى الأدلَّةِ في العمل بالناسخ وتركِ المنْسوخِ، وقد أجمع المحقِّقُونَ من الأمةِ والعِتْرَةِ على أنَّ المنسوخَ يُتْركُ، وإن كانَ الَّذِي رواه أفضلَ الأمَّةِ وأعلمَهَا متى كانت طريقة النَّاسِخِ صحيحةً، وإن كانت دونَ درجَةِ المنسوخِ في الصِّحَّة متى كانا ظنِّييْنِ معاً (٤).


= وفي البخاري أيضاً (١٦٠٥) من حديث عمر قال للركن: أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - استلمك، ما استلمتك، فاستلمه، ثم قال: مالنا وللرَّمَل، إنما كنا رائينا به المشركين وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا نحب أن نتركه.
(١) من قوله: " الرحمن " إلى هنا سقط من (ب).
(٢) سقطت من (ش).
(٣) في (أ) و (ج): " إذا "، وفي (ب): " أن "، والمثبت من (ش).
(٤) سقطت من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>