للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خافت، وَكُلٌّ واسِعٌ.

وليس هذا بترجيحِ بعضِ الأحاديثِ على بعض، بل هذا استعمالٌ للجميع منها؛ لأنَّها لم تُعارض، والدَّليل على أنها لم تُعَارَضْ: أنَّ بعضَها ورد بأنه عليه السلام جَهَرَ، وبعضَها ورد بأنَّه خافت، فجاز أن يكونَ ذلك وارداً على التَّخيير، كما أنَّه يجوز بالإجماعِ أن يقولَ عليه السلام: من شاء جهر، ومن شاء خافَتَ، فلمَّا جاز ذلك وأمكن (١)، جاز الاقتداءُ بكُلِّ واحدٍ من الفعلين الثُّبوتيَّيْن، إذ لا يتعيَّن أحدُهما إلا مَعَ المعارضَةِ المحْضة، والمعارضَةُ المَحْضَةُ لا تَصِحُّ بين الأفعالِ المتجرِّدةِ عَنِ الأقوالِ، وإنَّما تكونُ بَيْن الأقوالِ، أوْ بَيْن فعلٍ وقولٍ، وبيانُ ذلِكَ


= المسلمين، وعلماء الدين، اجتمع له الحديث، والفقه، والصدق، والورع، والزهد، روى له الجماعة سوى ابن ماجة. وقال أحمد بن حفص شيخ ابن عدي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً.
قال شعيب: وهكذا يكون عظماء الرِّجال في اتساع صدورهم، وتقدير جهود غيرهم، والإشادة بفضلهم، فإن اختلاف الأئمة المجتهدين في فهم نصوص الكتاب والسنة وما تدل عليه ظاهرة طبيعية في شريعة الإسلام، لأن أكثر نصوصه ظنية الدلالة، وهذا الاختلاف مما أراده الله تعالى ورضيه، فهو رحمة وتوسعة ومجال للتنافس والإبداع. ولقد كان من أثره هذا التراث الضخم الذي تحفل به المكات الإسلامية من المؤلفات المتنوعة. واختلافهم في القرآن إنما هو في بعض ما استنبط منه من أحكام نتيجة للخلاف في فهمه، لخفاء في دلالته بسب من الأسباب، كالاشتراك في لفظه، والتخصيص في عامه، أو التقييد في مطلقه، أو ورود نسخ عليه، أو غير ذلك من الأسباب المبينة في مظانها. واختلافهم في السنة لا يقتصر على اختلافهم فيما تدل عليه الأحاديث وما يراد منها، كما هو الحال في آي القرآن، بل يتجاوز ذلك، فيختلفون في الحكم على الحديث صحة وضعفاً، فيرى بعضهم صحيحاًً ما يراه الآخر ضعيفاً، إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف الكثيرة التي بينها العلماء في مؤلفاتهم، وأما الآيات التي وردت في ذم الخلاف، والنهي عنه، والتحذير منه، فالمراد منه الخلاف المذموم الذي ينجم عنه التعصب والحقد وطعن الخصم في عرضه ودينه والافتئات عليه بما هو منه بريء.
(١) جملة " ذلك وأمكن جاز " ساقطة من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>