للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس هذا النَّوعُ يدخُلُ في المراسيلِ، ولا يرتقي إلى مرتَبَتِهَا، فإنَّ كثيراً مِنْ عُلماءِ الأصولِ نَصُّوا على أن المُرْسَلَ هُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نصَّ عليه المنصور بالله عليه السلام في موضعين من " صفوته " (١) وكذلِكَ أبو الحسين في " معتمده " (٢)، ونص عليه في " الجوهرة "، وأَقرَّهُ الفقيهُ العلاَّمة عليُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، ولمْ يعترِضْهُ في تعليقه، بل أقَرَّهُ، وقال: الكلام كما ذكر (٣)، واختلفوا في العنعنة.

وأمَّا البُلوغُ والرِّوايَةُ بلفظِ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، فَلَمْ أَعْلَمْ أنَّ أحداً ذكرهما في المراسيلِ، ولا فيما يَجِبُ قَبُولُه مِنْ أخبارِ الثِّقات، وإنْ ذَكَرَ ذلكَ ذاكرٌ مِنْ غَيْر دليلٍ، لمْ يُقْبَلْ منهُ تقليداً حتى يَدلَّ عليهِ، وهذا الكلام مُتَّجِهُ إلا أَنْ يُعْرَف مِنْ بعضِ العلماءِ أنَّهُ لا يقولُ ذلكَ إلا فيما صحَّ لَهُ، ولا يقولُه في حديثٍ ضعيفٍ ألبتة عمل به، ولكِنا لمْ نَعْلَمْ هذا مِنَ الهادي عليه


= وهذه الأمثلة وغيرها أيضاًً تدلُّ على أن استعمال صيغة ما لم يسم فاعله قد يكون لمعنى غير التمريض، كاختصار السند، أو الاقتصار على بعضه، أو إيراد الحديث بالمعنى، وغير ذلك من الوجوه، وهذا شائع ذائع في كتب المتقدمين من الأئمة كالشافعي في " الأم "، فإنه يذكر في أحاديث كثيرة بصيغة التمريض، وهي في الصحيحين أو أحدهما، وكذلك البغوي في " شرح السنة " حين يطوي السند، يورد الحديث بصيغة التمريض، وكثير مما جاء كذلك صحيح، ولم يتنبه لهذا بعض من ينتحل الحديث في عصرنا، فضعف حديث عمر في التراويح الذي فيه أنَّه صلاها عشرين، لأن الشافعي صدره بقوله: " ورُوِيَ "، وفي النص الذي نقله عن الإمام الشافعي من طريق المزني ما ينبه الغافل، فقد جاء بإثره كما نقله هو: " وهو أحبُّ إليَّ "، فكيف يكون هذا العدد الذي جاء في حديث عمر أحبَّ إليه، وهو ضعيف في نظره كما زعم هذا القائل، وغير خافٍ على صغار الطلبة أن الشافعي رحمه الله لا يعتد بالحديث الضعيف.
(١) ألفه في أصول الفقه، وسماه " صفوة الاختيار "، والمنصور بالله -واسمه عبد الله ابن حمزة- تقدم التعريف به في ١/ ٢٨٦.
(٢) لم أجده في المطبوع من " معتمد أبي الحسين ".
(٣) في (ب): " ذكروا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>