للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنكارَ أبي زرْعَةَ، فقال: إنَّما قلت: صحيحٌ (١).

قال سعيدٌ: وقَدِمَ مُسْلِمٌ بَعْدَ ذلِكَ الرَّيَ، فبلغني أنَّه خَرَجَ إلى الحافِظِ أبي عَبْدِ اللهِ [محمد بن] مُسْلم بنِ وارَة (٢)، فجفاه وعاتَبَهُ على هذا الكتابِ، وقال له نحواً مِمَّا قال لي أبو زُرْعَةَ مِنْ تطريقِهِ للمبتدِعَةِ عَلَيْنَا أن يقولوا ما تقدَّمَ، فأجاب، فقال (٣): إنَّما أخرجتُ هذا الكتابَ، وقلت: هو صحيحٌ، وَلَمْ أَقُلْ إنَّ ما لَمْ أُخَرِّجْهُ في هذا الكتاب فَهو ضَعيفٌ، فَقبِلَ عُذْرَهُ وحدَّثَهُ. انتهى.

قلتُ: فانظر إلى هذيْنِ الحَافِظَيْن الكبيرين: أبي زُرْعَةَ، وابنِ وارة كيف اشتدَّ نكيرُهُما على مُسْلمٍ لما توَهَّمَا أنَّه ادَّعى حَصْر الحديث الصَّحِيح حَتَى صرَّح بالبراءَةِ مِنْ ذلِكَ، حَتَّى إنَّ ابنَ وارَة جفاهُ، وامتنَعَ مِنْ تحديثِهِ، حَتَّى بَيَّنَ أَمْرَ ذلِكَ، ثُمَّ حدَّثَهُ بَعْدَ المَعْرِفَةِ ببراءَتِهِ مِنْ ذلِكَ (٤).

فكيفَ يُنْسَبُ إلى هُؤلاءِ القَوْلُ بانحصار الصَّحِيح (٥) في هذِه


= المتوفى سنة ٢٩٢ هـ. وصنف كتاباًً ضمنه أجوبة شيخه أبي زرعة مع أجوبة قليلة لبعض الأئمة الذين كانوا في مجلس أبي زرعة، وضم إليه كتاب " الضعفاء " لأبي زرعة، وقد طبع بتحقيق الدكتور سعدي الهاشمي مع دراسة مستفيضة عن أبي زرعة وجهوده في السنة النبوية في ثلاثة أجزاء. مترجم في " السير " ١٤/ ٧٧ - ٧٨.
(١) في هامش (ش): " أي: ولم أنف الصحة عن غيره ".
(٢) هو الإمام الحافظ المجود، أبو عبد الله، محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله بن وارة الرازي، ارتحل إلى الآفاق، وحدث عن خلق كثير، وكان يضرب به المثل في الحفظ.
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: ثلاثة من علماء الزمان بالحديث اتفقوا بالري لم يكن في الأرض مثلهم في وقتهم، فذكر ابن وارة، وأبا حاتم، وابا زرعة. توفي سنة ٢٧٠ هـ. مترجم في " السير " ١٣/ ٢٨.
(٣) في (ب): وقال.
(٤) من قوله: " ثم حدثه " إلى هنا ساقط من (ب).
(٥) في (ب) و (ج): الحديث الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>