للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صنَّف في هذا المعنى غير واحدٍ منِ الحُفَّاظ، مِنْهم الحافظ أبو عبد الله الحاكمِ الشِّيعيُّ (١) مَذْهَبَاً، فإنَّه صنَفَ كتابَ " المستدرك على الصَّحِيحَيْنِ "، وَهو كتابٌ كَبِيرٌ، وقد ذكره ابنُ الصَلاح في كتابه " العلوم " (٢)، وذكر أنَّه اشتمل على صحيحٍ كثير.

وذكر الذَّهبِيُّ في " النُّبلاء " (٣) أنَّ فيه قدر الثُّلُثِ على شَرْطِ البُخَّارِيِّ ومسلمٍ، وقدر الرُّبعِ صحيحٌ، ولكِنْ على غير شرطهما، والباقي (٤) مما فيه نظر، وفيه قَدْر مئةِ حديثٍ باطلة، أو كما قال.

والمصنِّفونَ للصِّحَاحِ مِنَ المحدِّثينَ عَدَدٌ كثير، وليسَ همْ هؤلاء


(١) انظر لزاماً " طبقات الشافعية " للسبكي ٤/ ١٦١ - ١٧١.
(٢) ص ١٦ و١٨.
(٣) ١٧/ ١٧٥ بتحقيقنا مع صاحبنا الأستاذ نعيم العرقسوسي، وقد رواه المصنف عنه بالمعنى، ونصه بعد أن نقل عن أبي سعد الماليني قوله: طالعت " المستدرك " على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أرَ فيه حديثاًً على شرطهما: قلت: هذه مكابرة وغلو، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في " المستدرك " شيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءاً، وحديث الطير بالنسبة إِليها سماء، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرتُهُ ويعوز عملاً وتحريراً.
قلت: وبين من مقالة الذهبي هذه أنَّه رحمه الله لم يعتن بالمختصر اعتناءً تاماً، فلم يتفحص الأسانيد تفحصاً دقيقاً، وإنما تكلم عليها بحسب ما تيسر له، ولذا فاته أن يتكلم على عدد غير قليل من الأحاديث صححها الحاكم وهي غير صحيحة، أو ذكر أنها على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما، وهي ليست كذلك كما يتحقق ذلك من له خبرة بأسانيد الحاكم، وممارسة لها، ونظر فيها، ولذا لا بد من دراسة الأسانيد جميعها، والحكم عليها بما يليق بحال كل إسناد المأخوذ من صفات رواته من الصحة، أو الحسن، أو الضعف، أو الوضع، وهذا النهج ينبغي أن يتبع في كتب السنن، والمسانيد، والمعاجم، والمصنفات، و" صحيح ابن خزيمة "، و" صحيح ابن حبان " و" منتقى ابن الجارود".
(٤) تحرف في (ش) إلى: والثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>