وإنما يحسن الجزم بالإيراد عليهم حيث لا يختلف السياق، أو حيث يكون المتابع ممن يعتبر به لاحتمال أن يريدوا شيئاً من ذلك لإطلاقهم، والذي يرد على الطبراني، ثم الدارقطني من ذلك أقوى مما يرد على البزار، لأن البزار حيث يحكم بالتفرد إنما ينفي علمه، فيقول: لا نعلمه يروى عن فلان إلا من حديث فلان، وأما غيره، فيعبر بقوله: لم يروه عن فلان إلا فلان، وهو وإن كان يلحق بعبارة البزار على تأويل، فالظاهر من الإطلاق خلافه. (١) لم أجد هذا الذي نقله عن الحافظ، لا في " النكت "، ولا في " شرح النخبة "، وإليك نصه في " الفتح " ١/ ١١: ثم إن هذا الحديث متفق على صحته، أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ، ووهم من زعم أنَّه في " الموطأ " مغتراً بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك (قلت: وهم الحافظ رحمه الله في هذا التوهيم، فقد أخرجه مالك في " الموطأ " برقم (٩٨٣) برواية محمد بن الحسن، وهو فيه أيضاًً برواية القعنبي، رواه عنه البغوي في (شرح السنة (١)) وقال أبو جعفر الطبري: قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردوداً لكونه فرداً، لأنَّه لا يروى عن عمر إلا من رواية علقمة، ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم، ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد، وهو كما قال، فإنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد، وتفرد به من فوقه، وبذلك جزم الترمذي، والنسائي، والبزار، وابن السكن، وحمزة بن محمد الكتاني، وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنَّه لا يعرف إلا بهذا الإسناد، وهو كما قال، لكن بقيدين، أحدهما: الصحة، لأنَّه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني، وأبو القاسم ابن مندة، وغيرهما. ثانيهما: السياق، لأنَّه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية، كحديث عائشة، وأم سلمة عند مسلم: " يبعثون على نياتهم "، وحديث ابن عباس: " ولكن جهاد ونية "، وحديث أبي موسى: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " متفق عليهما، وحديث ابن مسعود: " رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته " أخرجه أحمد، وحديث عبادة: "من غزا وهو لا ينوي إلا عقالاً فله ما نوى" أخرجه النسائي، إلى غير ذلك مما يتعسر حصره. وعرف بهذا التقرير غلط من زعم أن حديث عمر متواتر إلا إن حمل على التواتر المعنوي فيحتمل، نعم قد تواتر عن يحيى بن سعيد ...