فبهذا لا يقطعُ على راوي الحديثِ أنَّه يعتقدُ عَدَالَةَ بعضِ الضُّعفاء إذا صحَّحَ حديثَ بعضِهم، ولكن لا نقول أيضاً بِصحَّة الحديثِ قطعاً إذا علمنا بجِرْحِ الرَّاوي له، وَلَمْ نعلمْ ما يَجْبُرُهُ مِنَ المتابعاتِ، بل نقول: إنَّ هذه المسألة مَحَلُّ نَظَرٍ، والذي يقوى عندي وجوبُ العَمَلِ بذلِكَ، لأنَّ القَدْحَ بذلِكَ مُحْتَمَلٌ، والثِّقَةُ العَارِفُ إذا قال: إنَّ الحديثَ صحيحٌ عنده، وجَزَمَ بذلِكَ، وَجَبَ قَبولُهُ بالَأدِلَّةِ العقليَّة والسَّمْعِيَّة الدالَّةِ على قَبُولِ خَبَر الوَاحِدِ، ولم يَكُنْ ذلِك تقليداً له، إلاَّ أَنْ يَظُنَّ أو يجوز أنَّه بنى دعواه لذلكَ على اجتهادٍ، ولو كان مُجَرَّدُ الاحتمال المرجوح يَقْدَحُ، لطرحنا جميعَ أحاديثِ الثِّقات لاحتمالِ الوَهْمِ والخطأ في الرواية بالمعنى، بلِ احْتِمال تَعَمُّدِ الكَذِبِ.
نعم، الظَّاهِرُ أنَّ البخاري ومسلماً بَنَيَا على شروط الحديث المعتبَرَة عند جُمهورِ أَهْلِ هذا الشَّأنِ إلاَّ في المواضِعِ التي استثناها الحُفَّاظُ، وهي ما انْتُقِدَ عليهما.
قلت: ومجموعُه يكونُ في موضعين.
الأول: ما ثَبَتَ عن بعض الحُفَّاط أنه خالفهما، أو أحدَهُما في صِحَّتِه.
والثاني: ما كان متعارضَاً، لا بُدَّ مِنْ ضَعْفِ إحدى الرِّوايتين، ويدخل في الَأوَّلِ ما اختلفا فيه، وما جاءَ بِغَيْرِ صريحِ السَّماعِ منْ رِوَايَةِ المدلِّسين، وإنَّما أخرجا هذا الجنس بحسب اجتهادهما وتحرِّيهما، لأنَّ تَرْكَهُ كُلَّهُ مفسدهٌ بينَةٌ، إذ كان الغالبُ علَى الظنِّ صِحة أكثرِهِ، ورُبمَا اطلعنا على شواهِدَ وتوابعَ تُوجبُ تخريج ما أخرجا منه، لكِنَّ ذلِكَ على طريقَةِ الاجتهاد منهما، ولا يَجِبُ، بَلْ لا يجوزُ للمجتهدِ أنْ يُقَلِّدَ أحداً فيما