١٩ - قوله: (إن عليًّا كان وصيًّا) أي بالخلافة والقيام بأمور الدولة بعده - صلى الله عليه وسلم -، وكان هذا من دعايات الشيعة الكاذبة (حجري) بفتح الحاء وكسرها، أي حضنى (انخنث) بالنون ثم الخاء المعجمة ثم النون ثم الثاء المثلثة، أي انثنى ومال. قال القرطبي: كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بالخلافة لعلي، فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك، وكذا من بعدهم، ومن ذلك ما استدلت به عائشة كما سأتي، ومن ذلك أن عليًّا لم يدع ذلك لنفسه، ولا بعد أن ولي الخلافة، ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة. وهؤلاء - أي الشيعة - تنقصوا عليًّا من حيث قصدوا تعظيمه، لأنهم نسبوه، مع شجاعته العظمى وصلابته في الدين، إلى المداهنة والتقية والإعراض عن طلب حقه مع قدرته على ذلك، وقال غيره: الذي يظهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته، فلذلك ساغ لها إنكار ذلك، واستندت إلى ملازمتها له في مرض موته إلى أن مات في حجرها، ولم يقع منه شيء من ذلك، فساغ لها نفي ذلك، لكونه منحصرًا في مجالس معينة لم تغب عن شيء منها. ذكره ابن حجر في الفتح. ٢٠ - قوله: (وما يوم الخميس! ) الاستفهام هنا ليس للسؤال، بل لإظهار التوجع والتحسر على ما فات فيه من أمر عظيم حسب معتقد ابن عباس (وجعه) أي مرضه الذي توفي فيه (لا تضلوا بعدي) أي ما دمتم متمسكين بما في ذلك الكتاب، لأن فيه بيان سبيل الحق والرشاد، وقوله - صلى الله عليه وسلم - هذا يفيد أنه لم يكن يريد كتابة العهد بالخلافة، لأن الخلافة سواء كانت لأبي بكر أو لعمر أو لعثمان أو لعبد الرحمن بن عوف أو لأي أحد آخر لم يكن عليها مدار الرشد أو الضلال، يعني ليس أن الخلافة بعده - صلى الله عليه وسلم - كانت لأبي بكر فاهتدى الناس، ولو كانت لعمر لضلوا وفسدوا، حاشا من ذلك، بل الذي عليه مدار الرشد أو الضلال هو التمسك بكتاب الله مع بيانه النبوي المعروف بالسنة والحديث، فمن تمسك به فقد اهتدى، ومن تركه فقد ضل، وهذا واضح معروف لا لبس فيه، فهذا الذي كان يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب لهم، حتى يصير لهم عهدًا مؤكدًا ووصية يعتنون بها حق الاعتناء، ولكنه ترك الكتابة لأجل التنازع، وكأنه اقتنع بما فهمه عمر من مراده - صلى الله عليه وسلم -، يدل لكل ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - بقي بعد ذلك حيًّا حتى توفي في اليوم الخامس، ولم يوص بشيء يناسب هذا المعنى إلا قوله: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه" رواه مالك في الموطأ وغيره، وقد تقدم من حديث عبد الله بن أبي أوفى [رقم ١٦] أنه - صلى الله عليه وسلم - "أوصى بكتاب الله". قوله: (فتنازعوا) أي في الكتابة وتركها (وما ينبغي عند نبي تنازع) هذا مرفوع له من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، بدل له لفظ البخاري في العلم "ولا ينبغي عندي التنازع" (وقالوا: ما شأنه) أي قال الذين أحبوا أن يكتب لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ردًّا على الذين فضلوا ترك الكتابة (أهجر؟ ) بهمزة الاستفهام الإنكاري، والهجر ما يتكلم به المريض عند غلبة الوجع بحيث يكون في شبه حالة الغياب، فلا ينتظم له الكلام، ولا يعتد به، لعدم فائدته، يعني أتظنون أنه يتكلم في حالة الغياب، ولا يدري ما يقول؟ ليس الأمر كذلك، يدل عليه قولهم بعده: "استفهموه" لأنه لو لم يكن يعقل لم يكن في الاستفهام فائدة، بل لم يكن الاستفهام معقولًا (دعوني، فالذي أنا فيه خير) قال النووي: معناه: دعوني من النزاع واللغط الذي شرعتم فيه، فالذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه أفضل مما أنتم فيه (أوصيكم بثلاث) اتصاله بما سبق يعني أنه قال ذلك في تلك الحالة. وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرًا متحتمًا، لأنه لو كان مما أمر =