للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ: لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ.»

(٠٠٠) وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ».


= فأشكاه (فجر بردائه) أي جذب عوف رداء خالد (هل أنجزت) أي أوفيت (ما ذكرت لك) وكان قد قال له وأوعده بأنه يشتكيه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فاستغضب) بالبناء للمفعول، أي صار مغضبًا (لا تعطه يا خالد) استدل به من قال: إن أمر السلب إلى الإمام إن شاء أعطى القاتل، وإن شاء لَمْ يعطه، وأجاب من قال إنه حق القاتل أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أخره تعزيرًا له ولعوف بن مالك، وتطييبًا لقلب خالد، وليس في الحديث أنه لَمْ يعطه فيما بعد، وسيأتي أن خالدًا لَمْ يكن أخذ منه السلب كله، وإنما أخذ شيئًا منه، فهو الذي أمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإمساكه ومنعه، ثم كان هذا المنع على سبيل العقوبة والتأديب، فيبقى التشريع العام على ما كان عليه، وهو أن السلب حق القاتل (تاركوا) وفي نسخة: (تاركون لي أمرائي) ضبط قوله: "تاركون" بإثبات النون وبحذفها، وكلاهما صحيح (استرعي إبلًا ... إلخ) بصيغة المبني للمفعول، أي جعل راعيًا لها (تحين سقيها) أي طلب وأدرك وقت سقيها (صفوه) بفتح فسكون، أي الخالص الصافي منه (كدره) بفتح فكسر، وبفتح فسكون، ماء اختلط بالتراب ونحوه (فصفوه لكم، وكدره عليهم) معناه أن الرعية يأخذون صفو الأموال من الغنيمة وغيرها، وتبتلى الولاة بمقاساة الشدة في جمع الأموال من وجوهها وصرفها في وجوهها مع الشفقة على الرعية، وإنصاف بعضهم من بعض.
٤٤ - (في غزوة مؤتة) بضم الميم بعدها واو ساكنة تهمز ولا تهمز، موضع في أدنى البلقاء من أطراف الشام جنوبي الأردن، وقعت فيها معركة رهيبة مع الروم وأعوانهم من متنصرة العرب، وكانوا مائتي ألف، والمسلمون ثلاثة آلاف فقط، وقد فتح الله لهم برحمته، وذلك في جمادى الأولى سنة ثمان (ورافقني مددي) بتشديد الياء نسبة إلى مدد، والمدد والأمداد هم الأعوان الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد (وساق الحديث عن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحوه) وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده عن الوليد بن مسلم بسند المصنّف، وأبو داود في سننه عن طريق أحمد، نورده لمزيد الفائدة، وفيه: "ورافقني مددي من اليمن ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورًا، فسأله المددي طابقة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذ كهيئة الدرقة، ومضينا، ولقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهب، وسلاح مذهب، فجعل الرومي يغري بالمسلمين، وقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه، فخر، وعلاه فقتله، وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب، قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد! أما علمت أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى. ولكني استكثرته. فقلت: لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأبى أن يرد عليه. قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا خالد! رد عليه ما أخذت منه، قال عوف: فقلت: دونك يا خالد! ألم أفِ لك؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وما ذاك؟ فأخبرته. فغضب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: يا خالد! لا ترد عليه. هل أنتم تاركوا أمرائي؟ لكم صفوة أمرهم، وعليهم كدره". انتهى. ففي هذا الطريق من الفوائد قصة بلاء المددي، وتفصيل ما جرى بين عوف وخالد، وأن الذي أخذه ومنعه خالد كان جزءًا من السلب لا كله، وأن كون السلب للقاتل كان أمرًا معروفًا بين الصحابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>