للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ

رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ: مِثْلَهَا، قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُ، فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ. وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، (وَالرَّجُلَانِ: مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ)

(١٧٥٣) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟ قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ادْفَعْهُ إِلَيْهِ. فَمَرَّ خَالِدٌ، بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ


= أي حتى يموت من يكون موته أقرب من موت مقابله، أي يموت أحدنا (فلم أنشب) أي لَمْ ألبث، يعني لَمْ يمض زمن حتى رأيته (يزول في الناس) أي يتجول ويتحرك فيهم، ولا يستقر في مكان (فابتدراه) أي سبقا إليه (والرجلان: معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء) في تسمية معاذ بن عمرو بن الجموح وهم، فقد صرح في صحيح البخاري في روايات أنس [رقم ٣٩٦٢، ٣٩٦٣، ٤٠٢٠] وفي رواية عبد الرَّحمن بن عوف [رقم ٣٩٨٨] أنهما ابنا عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح ليس بابن عفراء، ثم القصة المنسوبة إلى معاذ بن عمرو بن الجموح في بعض كتب السيرة أو في بعض طرقها هي بعينها منسوبة إلى معاذ بن عفراء في بعض طرق أخرى، فلا يمكن الجمع بأن الثلاثة اشتركوا في قتل أبي جهل، فلا مناص من توهيم الراوي في تسمية أحدهما، وحيث إن نسبة الرجلين إلى عفراء أقوى وأتقن فالغالب أن الوهم وقع في تسمية معاذ بن عمرو بن الجموح، والأصح أن القاتلين هما معاذ بن عفراء، ومعوذ بن عفراء، كما وقع التصريح بذلك في غير ما رواية، وعفراء اسم أمهما، وهي عفراء بنت عبيد بن ثعلبة من بني غنم بن مالك بن النجار، أما أبوهما فهو الحارث بن رفاعة، وهو أيضًا من بني غنم بن مالك بن النجار، وأما اختصاص أحدهما بالسلب دون الآخر فقالوا: لأنه أثخنه أولًا، وسبق بالضرب فقتله وهو ممتنع، والثاني ضربه بعده، فقتله وهو مثبت بجراحة الأول، فقضى بالسلب للسابق إلى إثخانه، وهذا توجيه غير مرضي في نظري، لأنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى سيف أبي جهل لابن مسعود رضي الله عنه مع أنه قطع رأسه حين لَمْ يكن بقي فيه إلَّا الرمق، والذي أراه صحيحًا هو أنه لَمْ يعط السلب للآخر، وهو معوذ بن عفراء؛ لأنه كان قد قُتل في نفس المعركة قبل نهاية الغزوة وبعد قتل أبي جهل. والله أعلم.
٤٣ - قوله: (وكان واليًا عليهم) هذه القصة وقعت في غزوة مؤتة، ومعلوم أن خالدًا تولى المسلمين فيها بعد أن قتل أمراؤها الثلاثة: زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، والقصة دليل على أنَّ إعطاء السلب للقاتل كان أمرًا مقررًا في الشرع معروفًا عند الصحابة، حتى أنكر عوف على خالد منعه، وشكاه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - =

<<  <  ج: ص:  >  >>