٢٣ - قوله: (عن أبي سلمة عن عائشة) روى أصحاب إبراهيم بن سعد هذا الحديث بهذا الطريق عن أبي سلمة عن أبي هريرة، كذلك أخرجه البخاري في مناقب عمر، وخالفهم ابن وهب فقال عن عائشة، وتابعه ابن عجلان، كما في الطريق التالي فكأن أبا سلمة سمع عن أبي هريرة وعن عائشة كليهما (محدثون) بفتح الدال المشددة جمع محدث، وهو من يلقى الحق في قلبه فيكون كالذي حدثه به غيره، أو من يكلمه الملائكة في نفسه وإن لم ير مكلمًا في الحقيقة وكلا المعنيين قريب من الإلهام الذي فسره به ابن وهب، والإلهام الإصابة بغير نبوة، فمعنى المحدث الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه، ويقرب من هذا ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعًا: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. ٢٤ - قوله: (وافقت ربي في ثلاث) أي في ثلاث وقائع، والمراد وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، ولكنه رعاية للأدب أسند الموافقة إلى نفسه (في مقام إبراهيم) أي إنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (وفي الحجاب) وهو أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت نساءك يحتجبن، فأنزل الله آية الحجاب (وفي أسارى بدر) وهو أنه أشار بقتلهم، وأشار أبو بكر رضي الله عنه بأخذ الفدية منهم، فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر. ثم أنزل الله العتاب على أخذ الفدية وعدم الإثخان. ولم تقتصر موافقة عمر على الثلاث المذكورة، بل حصلت في أشياء غير هذه، منها قوله لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ضيقن عليه: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: ٥] ومنها قصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح، وروى الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال: "ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر". وهذا دال على كثرة =