للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ! لَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، قَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ، فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ».

(٠٠٠) وَحَدَّثَنِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ وَلَمْ يَشُكَّ، وَقَالَ: قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ، وَقَالَ: وَصِفْرُ رِدَائِهَا، وَخَيْرُ نِسَائِهَا، وَعَقْرُ جَارَتِهَا. وَقَالَ: وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا.


= كما يكتم السر (ولا تنقث ميرتنا تنقيثًا) الميرة: الطعام المجلوب من القمح ونحوه، وتنقيثه إفساده وتفريقه، أي لا تفسده ولا تفرقه، ولا تخون فيه بالسرقة ونحوها (ولا تملأ بيتنا تعشيشًا) أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر، بل هي مصلحة للبيت، معتنية بتنظيفه (والأوطاب) جمع وطب، بفتح فسكون. وقيل: وطبة، وهو وعاء اللبن، ومخض اللبن استخراج الزبد منه بوضع الماء فيه وتحريكه (يلعبان من تحت خصرها) بفتح فسكون أي كشحها (برمانتين) أي إنها كانت ذات كفل عظيم، فلما استلقت ارتفع كفلها بها من الأرض حتى صارت تحتها فجوة يجري فيها الرمان، وقيل: معناه أن الولدين كانا ملتصقين بها من اليمين واليسار، يلعبان بثديها (رجلًا سريًّا) أي سيدًا شريفًا، وقيل: سخيًّا، والسري من كل شيء خياره (ركب شريًّا) أي فرسًا خيارًا فائقًا، وهو الذي يستشري في سيره، أي يمضي فيه بلا فتور (وأخذ خطيًّا) بفتح فتشديد، أي رمحًا خطيًّا، والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح (وأراح) إفعال من الرواح، ومعناه أتى بها إلى المراح، وهو موضع مبيت الماشية (علي) بتشديد الياء مع حرف الجر (نعمًا) بفتحتين، لا واحد له من لفظه، وهو الإبل والبقر والغنم، وأكثر ما يستعمل للإبل، وقيل: هو بكسر النون، جمع نعمة، والأول أشهر (ثريا) بتشديد الياء، أي كثيرًا أو كثيرة، والثري المال الكثير (من كل رائحة) أي ماشية، مأخوذ من الرواح وهو الوقت من زوال الشمس إلى الليل، والرائحة هي الماشية، لأنها في هذا الوقت تروح وترجع (زوجًا) أي اثنين، وأرادت بذلك كثرة ما أعطاها (وميري أهلك) أي صليهم بالميرة - بكسر الميم - وهي الطعام، وصفته بالسؤدد، والشجاعة والثروة والجود، ثم قارنته بالأول (كأبي زرع لأم زرع) قال ذلك تطييبًا لقلبها. قال الحافظ: زاد الزبير في آخره: "إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك".
( ... ) قولها: (قليلات المسارح) أي لا تسرح إلا قليلًا قدر الحاجة، وتبقى في معظم أوقاتها باركة أمام البيت استعدادًا لقرى الضيوف ونحوهم (صفر ردائها) الصفر، بكسر الصاد: الخالي، أي هي ضامرة البطن، والرداء ينتهي إلى البطن. قيل: معناه أنها خفيفة أعلى البدن، وهو موضع الرداء، ممتلئة أسفله، وهو موضع الكساء، وقيل: بل المراد امتلاء منكبيها وقيام نهديها، بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها، فلا يمسه، فيصير خاليًا، بخلاف أسفلها (خير نسائها) وفي نسخة: (حبر نسائها) ضبط بالخاء المعجمة والياء المثناة وضبط بالحاء المهملة والباء الموحدة بمعنى الزينة، ومنه التحبير، (وعقر جارتها) بفتح العين وسكون القاف، أي دهشها أو قتلها، والمراد تغيظها حتى تصير كالمعقور (ولا تنقث) بتخفيف النون وضم القاف من باب نصر، بدل التشديد، ومصدره من باب التفعيل، وهو جائز كقوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آل عمران: ٣٧] (من كل ذي رائحة) وفي نسخة: (من كل ذابحةٍ) فاعل بمعنى مفعول، أي من كل مذبوحة، مثل عيشة راضية، بمعنى مرضية. فالمعنى أعطاني من كل شيء يذبح زوجًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>