للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢٦٤٣) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. (ح) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ «: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا.»


= والثواب؟ ومن هنا أنكر بعضهم القدر بتاتًا، وقالوا: إن الإنسان خالق أفعاله، واستسلم بعضهم للقدر تمامًا، وبرؤوا الإنسان من عهدة ما يعمل، وقالوا إن أفعال الإنسان بمنزلة حركات النبات، ويكفي للقضاء على هذا الأخير أن الأفعال التي تقوم بالإنسان وتنسب إليه منها ما هو في خيار الإنسان ومنها ما ليس في خياره، ومثال الذي ليس في خيار الإنسان ولادته ووفاته، وطوله وقصره، ولونه وجنسه وحسنه وقبحه وغير ذلك، أما الذي هو في خياره فهو كمشيه وجلوسه وكلامه وسكوته، وجهده في الكسب والمعاش وقيامه بأعمال البر والخير أو بأعمال الشر والفساد، فهذه الأعمال مما يشعر به كل أحد بفطرته وطبيعته أنه مخير في فعله وتركه، فإن فعله فعله بخياره، وإن تركه تركه بخياره، ولذلك اتفقت أنظمة الحكومات كلها والمجتمعات بأسرها مسلمها وكافرها على مؤاخذة المجرم وعقابه، لأن فطرتهم متفقة على أن ما صدر منه في هذا الباب فهو في قدرته وخياره وعلى عهدته ومسئوليته، وأما الذي يقضي على قول من يقول: إن أفعال الإنسان مخلوقة له وليست مخلوقة لله، فهو أن الأعضاء والجوارح والقدرة والاستطاعة التي يرتكب بها الإنسان فعلًا من أفعاله الاختيارية هي مما أعطاه الله وخلقه في الإنسان وكذلك الأسباب والشروط التي لا يمكن ارتكاب فعل إلا معها هي أيضًا مما خلقه الله وهيأه له، والقانون الكوني الذي يتبعه في ارتكاب ذلك الفعل هو أيضًا مما أوجده الله، حتى إن الإنسان إذا تكلم بكلمة الكفر من لسانه فإنه لا يتكلم بها إلا بتحريك اللسان حسب الطريقة التي قررها الله للتكلم، ومع كل هذا لا يمكن لشيء ما وجوده إذا لم يأذن به الله، إذن ماذا بقي في كون فعل العبد مخلوقًا لله؟ وإنما يؤخذ به العبد لأن فعله لم يكن ليوجد لولا أنه بذل له جهده وكسبه، وارتكبه بخياره الذي يشعر به كل أحد. وإنما السر الذي يحتار فيه الإنسان هو الربط بين قضاء الله وخلقه، وبين خيار الإنسان وكسبه، وما دام الطرفان، وهما قضاء الله وخيار الإنسان، معلومين بالفطرة والبرهان فإنه لا يجوز إنكار واحد من الطرفين لعدم معرفة الربط الذي يربطه بالطرف الآخر، ويسوغ الجمع بينهما، إذ المعلوم لا ينكر لأجل المجهول. ومن هنا قال العلماء: إن القدر سر من أسرار الله تعالى اختص به العليم الخبير، وضرب دونه الأستار، وحجبه عن العقول، وأن من خاض فيه تاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ ما يطمئن به القلب.
١ - قوله: (الصادق) في أقواله وأفعاله وأحواله (المصدوق) في جميع ما أتاه من الوحي، يقال: صدقه أي قال له الصدق، فالذي قيل له الصدق هو مصدوق (يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا) أي تتخمر النطفة إلى هذه المدة وتتدرج شيئًا فشيئًا حتى تتهيأ للخلق فيصير (علقة) وهي الدم الغليظ الجامد (مثل ذلك) الزمان، وهو أربعون يومًا (مضغة) أي قطعة لحم كأنها مضغت بالأسنان (ثم يرسل الملك) في نهاية الطور الثالث، وبداية الطور الرابع، وحيث إن هذا الخلق يتدرج شيئًا فشيئًا في كل مرحلة فإنه مع نهاية الطور الثالث يتكامل بنيانه، ويتشكل أعضاؤه، وهذه الأطوار مذكورة في قوله تعالى مع ذكر بداية خلق الإنسان وما ينتهي إليه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>