للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٠٠٠) وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قِرَاءَةً قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ».

(٠٠٠) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَزْعُمُ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: «بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَصُومُ أَسْرُدُ، وَأُصَلِّي اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ، وَإِمَّا لَقِيتُهُ، فَقَالَ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ، وَلَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي اللَّيْلَ، فَلَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ حَظًّا، وَلِنَفْسِكَ حَظًّا، وَلِأَهْلِكَ حَظًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ، وَصُمْ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَةٍ، قَالَ: إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: وَكَيْفَ كَانَ دَاوُدُ يَصُومُ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى، قَالَ: مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ (قَالَ عَطَاءٌ: فَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الْأَبَدِ) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ».


١٨٥ - قوله: (لا تكن بمثل فلان ... إلخ) يعني التزم على نفسك بما تستطيع الدوام والاستمرار عليه، ولا تلتزم بما لا تستطيع القيام به على الدوام. فقد ذم الله قومًا، أكثروا من العبادة ثم تركوا لقوله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} ثم قال: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: ٢٧].
١٨٦ - قوله: (يزعم) أي يقول، وكثيرًا ما يستعمل الزعم بمعنى القول (أصوم، أسرد) أي أصوم فأتابع في الصوم من غير فصل بفطر بعض الأيام (وأصلي الليل) أي بكامله من غير نوم (فإن لعينيك حظًّا) أي حقًّا عليك، وهو النوم والراحة، ومن المعلوم نقصان قوة الباصرة من دوام الصوم والسهر (ولا يفر إذا لاقى) أي العدو في الحرب، فيه تنبيه على أن اختيار صوم داود ينبغي أن يكون مع بقاء قوة لقاء العدو، وأن لا يضعف المرء في الحرب لأجل هذه الكثرة في الصوم (من لي بهذه يا نبي الله؟ ) يعني أن هذه الخصلة، وهي عدم الفرار، صعبة علي، فكيف لي بتحصيلها (لا صام من صام الأبد) لأنه صام صومًا لا عداد له في الشرع، ولا أجر عليه عند الله، ولا يحمل على معنى أنه اعتاد تحمل الجوع والعطش فلم يكابد مشقة الصوم، لأن الكلام كله في الشرعية، وهذا التعليل ينقله عن الشرعية إلى معنى العقل والعادة، والحديث دليل على كراهة صوم الدهر، ويؤيده ما تقدم في قصة عبد الله بن عمرو هذه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أذن له في صوم داود قال: إني أطيق أفضل من ذلك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أفضل من ذلك". وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للثلاثة الذين قال أحدهم: إنه يصوم ولا يفطر، وقال الثاني: إنه يقوم الليل ولا ينام، وقال الثالث: إنه لا يأتي النساء. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أمَّا أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". فهذا الحديث الصحيح يدل على أن صيام الدهر من المرغوب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليستحق فاعله ما رتبه عليه من الوعيد بقوله: "فمن رغب عن سنتي فليس مني". وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل الذي أخبره أنه يصوم الدهر: من أمرك أن تعذب نفسك؟ وأخرج النسائي: "قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: رجل يصوم الدهر" قال: وددت أنه لم يطعم الدهر شيئًا". الحديث قال السندي: أي وددت أنه ما أكل ليلًا ولا نهارًا حتى مات جوعًا، والمقصود بيان كراهة عمله، وأنَّه مذموم العمل حتى تمنى له الموت بالجوع. انتهى. وأخرج أحمد والنسائي وابن خزيمة عن أبي موسى مرفوعًا: من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا، وقبض كفه، وأخرجه ابن حبان والبيهقي والبزار بلفظ: ضيقت عليه جهنم هكذا، وعقد تسعين. وأخرجه أيضًا الطبراني. قال الهيثمي =

<<  <  ج: ص:  >  >>