٢١٢ - قوله: (فنسيتها) بالبناء للمفعول من باب التفعيل، والحكمة في إنسائها وإخفائها هي أن يجتهد العبد في التماسها وطلبها بإحياء تلك الليالي كلها، فيكتسب ثواب الاجتهاد، ولو عينت في ليلة بعينها لاقتصر الناس على العبادة فيها، وفاتت منهم العبادة في غيرها. وكأن هذا الذي أراد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "وعسى أن يكون خيرًا لكم" في حديث عبادة عند البخاري: قال - أي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت. وعسى أن يكون خيرًا لكم" الحديث. ومعنى تلاحى: تخاصم. ٢١٣ - قوله: (يجاور) أي يعتكف في المسجد، وكان من جملة مقاصد الاعتكاف طلب ليلة القدر، وإحياء الليالي التي ترجى فيها (فإذا كان من حين يمضي عشرون ليلة) يعني فإذا كان الوقت الذي تمضي فيه عشرون ليلة (تلك الليلة التي كان يرجع فيها) ظرف لقوله: "أقام" أي إنه أقام في معتكفه الليلة الحادية والعشرين التي كان يرجع فيها (فليبت) من المبيت (في معتكفه) بفتح الكاف، أي في موضع اعتكافه (وقد رأيتني أسجد في ماء وطين) أي في صبيحة ليلة القدر، وجعل ذلك علامة يستدل بها عليها (فوكف المسجد) أي قطر ماء المطر من سقف المسجد (ووجهه مبتل) أي أصابه البلل. وكان في ذلك تصديق رؤياه - صلى الله عليه وسلم -، وهو دليل على أن ليلة القدر وقعت في ذلك العام ليلة إحدى وعشرين، وتمسك به من قال: إنها ليلة إحدى وعشرين بعينها، ولا دليل فيه، إذ أنها كانت كذلك في ذلك العام، وليس معناه أنها تقع كذلك طول الدهر، لأنها تنتقل من ليلة إلى أخرى في وتر من ليالي العشر الأواخر.