للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، قَالَ: فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا».

(٠٠٠) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ،

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ


= والآن يحرم الناس من رابغ، وهي قرية على ساحل البحر الأحمر في غرب شمال الجحفة، بينها وبين الجحفة اثنان وعشرون كيلومترًا، وبينها وبين مكة حوالي مائتي كيلومتر (قرن المنازل) ويقال له: قرن بلا إضافة، وقرن الثعالب، لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب. وقيل: قرن الثعالب غيره، وأصل معنى القرن الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير، وهو اسم موضع في شرق مكة على بعد نحو ثمانين كيلومترًا، يعرف بالسيل الكبير، يحرم منه أهل الطائف، وأهل نجد وأهل الكويت (يلملم) بفتحات مع سكون الميم الأولى، جبل في جنوب مكة على طريق أهل اليمن، يبعد عن مكة ثمانين كيلومترًا، وهو في الأصل اسم واد كبير في تهامة يبتدىء من جنوب غرب الطائف، ويصب في البحر الأحمر، ولا يصح أن يراد هنا، وإنما يراد هنا الجبل المذكور، وأهل اليمن كانوا يحرمون من سعدية قرية في أسفل وادي يلملم على بعد ١٠٠ كيلومتر جنوب مكة، ثم غيروا المكان بعد أن تغير الطريق (فهُن لهن) أي هذه المواقيت لأهل هذه البلاد (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) فالشامي إذا مر عن طريق المدينة يحرم من ذي الحليفة، واليماني إذا مر عن طريق قرن يحرم منه، وكان أهل الهند وباكستان إذا أتوا للحج بالسفينة ينزلون في أحد موانىء اليمن، ثم يأتون إلى مكة عن طريق أهل اليمن برًّا، فكانوا يمرون بيلملم ويحرمون منه، فاشتهر بينهم أن يلملم هو ميقات أهل الهند وباكستان، فلما بدأت البواخر ترسى في ميناء جدة أخذوا يحرمون في البحر إذا وصلت باخرتهم قريبًا من بعض سواحل اليمن، وكانوا على بعد يوم وليلة أو أكثر من ميناء جدة، وذاك بناء على زعمهم أنهم يحاذون إذ ذاك جبل يلملم الذي هو ميقات أهل اليمن ومن سلك طريقهم في البر إلى الحرم المكي، والصَّواب أنه لا يجب عليهم الإحرام في البحر في أي محل كانوا، قبل وصولهم إلى جدة، بل لهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا في ميناء جدة فيحرموا منها. وإيضاح ذلك أن معنى محاذاة الميقات أن يقع الميقات حذاء يمين الرجل أو شماله، وهو متجه إلى مكة، ونحن إذا وصلنا المواقيت الخمسة بالخطوط تحصل لنا حدود تحيط بمكة من كل جانب، ويكون ما وراء هذا الخط من الآفاق التي لا يجب فيها الإحرام، فإذا سلك الرجل إلى مكة طريقًا غير طرق المواقيت فلابد وأن يمر بالخط الذي يمتد من ميقات إلى ميقات، فهذا الخط هو خطأ محاذاة الميقات، فالحاج ما دام يمر خارج الخط المذكور فهو في الآفاق، ولا يجب عليه الإحرام. فإذا وصل إلى هذا الخط فقد وصل إلى حدود المواقيت - أي إنه حاذى الميقات - فلا يجوز له أن يتجاوز عنه إلى مكة بغير إحرام. والمواقيت كلها في البر، والخطوط التي تصلها لا تقع أيضًا إلا في البر، فلا تحصل المحاذاة ما دام الرجل في البحر، وإنما تحصل بعد النزول على البر، وتبين من هذا أن الحجاج القادمين من الهند وباكستان بالباخرة لا يحاذون شيئًا من المواقيت، بل تقطع بواخرهم طريقها في البحر في حدود الآفاق وراء حدود المواقيت، أي بعيدة من يلملم، وبعيدة من الخط الذي يصل يلملم بجحفة، فإذا نزلوا بجدة فعليهم أن يحرموا، لأن الخط الذي يصل يلملم بجحفة يمر قريبًا من جدة إلى جهة مكة، فهم يصيرون محاذين للميقات بعد النزول في جدة. والله أعلم. قوله: (ممن أراد الحج والعمرة) يفيد أن من لم يرد أحد النسكين جاز له دخول مكة من غير إحرام، سواء كان دخوله لحاجة تتكرر كالحطاب والسقاء أو لا تتكرر كالتاجر والزائر (فمن كان دونهن) أي دون المواقيت يعني داخلها بأن يكون بين مكة والميقات (فمن أهله) أي فهو يحرم من بيته أو قريته (حتى أهل مكة يهلون منها) أي يحرمون من مكة، وأصل الإهلال رفع الصوت بالتلبية، ثم عم للإحرام. ويلتحق بأهل مكة من هو مقيم بها من غير أهلها. وربما يؤخذ من هذه الجملة من الحديث أن أهل مكة يصح لهم أن يعتمروا، ويحرموا لها من بيوتهم. إذ الحكم عام لمن يريد الحج والعمرة.
١٢ - قوله: (فمِن حيث أنشأ) أي من حيث بدأ سفره، وخرج للعمرة أو الحج، يعني هو يحرم من بيته أو قريته.

<<  <  ج: ص:  >  >>