للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٢١١) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. قَالَتْ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ، أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا».


= رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإهلاله واغتسل. وهو بمتابعاته وشواهده لا ينحط عن درجة الحسن.
١١١ - قولها: (عام حجة الوداع) هو العام العاشر من الهجرة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يحج بعد الهجرة إلا هذه الحجة الواحدة، وإنما سميت بحجة الوداع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودع الناس فيها. وقال: لعَلِّي لا أحج بعد عامي هذا، كما قال: لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا (فأهللنا بعمرة) المراد أنها أهلت هي وصواحباتها بالعمرة، وليس المراد أن جميع القادمين أحرموا بالعمرة. ففي طريق آخر: "فمنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج" (من كان معه هدي) بفتح الهاء وإسكان الدال وتخفيف الياء ويجوز كسر الدال مع تشديد الياء، اسم لما يهدى إلى الحرم من الأنعام، ويذبح بمكة أو منى على سبيل التقرب إلى الله في مناسك الحج والعمرة (فليهل بالحج مع العمرة) التي أحرم بها، والمعنى أنه لا يحل من عمرته، بل يدخل الحج في العمرة ليكون قارنًا، ففيه جواز إدخال الحج على العمرة (ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا) قال المالكية والشافعية: إن سبب بقائه على إحرامه هو كونه أدخل الحج على العمرة، فلو لم يدخل الحج عليها جاز له أن يعتمر ويحل، ولو كان قد ساق الهدي. وقال أحمد وأبو حنيفة: إن السبب هو كونه ساق الهدي، فهو ملزم ببقائه على إحرامه حتى ينحر الهدي يوم النحر، وقولهما أقرب إلى سياق الأحاديث المروية في هذا الخصوص (ولا بين الصفا والمروة) أي لم أسع بينهما، وكثيرًا ما يعبر عن هذا السعي بالطواف، والطهارة وإن لم تكن شرطًا للسعي إلا أن السعي إنما يقع بعد الطواف بالبيت، ولا يجوز الطواف إلا لمن هو طاهر، فلذلك لم تتمكن عائشة من الطواف ولا من السعي، والمقصود أنها لم تعتمر مع أنها لم تكن أحرمت إلا بالعمرة (انقضي رأسك) أي حلي ضفر شعره (وامتشطي) أي اسرحي شعرك بالمشط أو بالأصابع (دعي العمرة) أي اتركيها، قيل: هو أمر بإلغائها وإبطالها والتحلل من إحرامها، وقيل: بل هو أمر بترك أعمال العمرة، وبإرداف الحج عليها، فتكون قارنة، وتكون أعمالها من الطواف والسعي وتقصير شعر الرأس عن الحج والعمرة كليهما جميعًا، وبه قال الجمهور (فلما قضينا الحج) أي أديناه وأتممناه (إلى التنعيم) مكان معروف بمكة على طريق المدينة، به مسجد معروف بمسجد عائشة، وهو أقرب مكان من الحل إلى الحرم (هذه مكان عمرتك) استدل به من قال: إنها كانت قد ألغت عمرتها الأولى. وأما الجمهور فقالوا: المراد أن هذه عمرة مستقلة مكان عمرتك المستقلة التي كنت تريدينها قبل الحج وتركت الإتيان بها لأجل الحيض (فطاف الذين أهلوا بالعمرة) وحدها (بالبيت وبالصفا والمروة) لعمرتهم (ثم حلوا) عن العمرة، ثم أحرموا للحج إحرامًا آخر، وخرجوا إلى منى ثم عرفات ثم المزدلفة، ثم جاءوا إلى منى في عاشر ذي الحجة، ورموا الجمرة الكبرى (ثم طافوا طوافًا آخر) بالبيت وبالصفا والمروة كليهما جميعًا (بعد أن رجعوا من منى لحجهم) منفردًا عن الطواف والسعي الذين جاءوا بهما لعمرتهم، لأنهم حلوا عن العمرة، فلم يكن ما فعلوه قبل الحلال يكفي عما بعد الحلال، لأن التحلل هو الحد الفاصل بين ما قبله وما بعده، (وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة) في إحرام واحد ابتداء أو إدخالا لأحدهما على الآخر، وصاروا قارنين (فإنما طافوا) بين الصفا والمروة (طوافًا واحدًا) فمن كان قد سعى بينهما مع طواف العمرة لم يمع بينهما مع طواف زيارة الحج، بل اكتفى بسعيه الأول، ومن لم يكن سعى بينهما مع طواف العمرة فقد سعى مع طواف الزيارة. وقيل: المراد أنهم طافوا =

<<  <  ج: ص:  >  >>