للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي، فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ، مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِيَدِهِ، فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أُذِّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ


= بفتح القاف، اسم ناقته - صلى الله عليه وسلم -، ولها أسماء أخرى مثل العضباء والجدعاء، وقيل: هي أسماء لنوق مختلفة، وأصل القصواء المقطوعة الأذن عرضًا، ولكن لم تسم ناقته - صلى الله عليه وسلم - بذلك لشيء أصابها (البيداء) ميدان ذي الحليفة (إلى مد بصري) أي منتهى بصري (فأهل بالتوحيد) إشارة إلى مخالفة ما كان أهل الجاهلية يزيدونه من كلمات الشرك بعد قوله: "لا شريك لك" فقد كانوا يقولون: "إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك"؛ كما تقدم (وأهل الناس بهذا الذي يهلون به) يعني زادوا بعض الكلمات ففي رواية أحمد وابن الجارود: ولبى الناس، والناس يزيدون "ذا المعارج" ونحوه من الكلام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع فلا يقول لهم شيئًا (استلم الركن) أي ركن الحجر الأسود، واليه ينصرف الركن عند الإطلاق. ومعنى الاستلام أنه وضع عليه يديه، ولكنه لم يكتف به بل قبله (فرمل ثلاثًا) أي مشى بسرعة مع تقارب الخطى وهز كتفيه ثلاث مرات من الأشواط السبعة (ثم تقدم) أي توجه (إلى مقام إبراهيم) بفتح الميم، هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام عند بناء البيت، وفيه أثر قدميه، موضوع قبالة البيت {مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} أي بعض حواليه {مُصَلًّى} بالتنوين، أي موضع صلاة الطواف (ثم خرج من الباب) أي من باب الصفا (إلى الصفا) لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا لا أنه سنة، وقد صار الصفا الآن في ناحية المسجد، ووقع باب الصفا في جانب، فالذهاب إلى الصفا الآن من داخل المسجد أسهل وأقرب {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} أي من أعلام مناسكه، جمع شعيرة، وهي كل ما جعل علمًا لطاعة الله تعالى، كالوقوف والرمي والطواف والسعي وغير ذلك في الحج، وكالجمعة والأعياد وغيرها من غير الحج (فرقي عليه) بكسر القاف أي صعد عليه (حتى رأى البيت) وكان إذ ذاك يرى من الصفا، أما الآن فقد حجبها بناء الحرم فينبغي جعل الوجه إليه، ولو من غير رؤيته (أنجز وعده) أي وفى بما وعد من إظهار الدين (وهزم الأحزاب وحده) أي غلبهم بغير قتال. كما قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: ٩] والمراد بالأحزاب القبائل المتعددة التي تحزبت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين في غزوة الخندق في شوال سنة خمس، أو المراد بالأحزاب أنواع الكفار الذين تكالبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين مطلقا في أوقات متفرقة، وكانت نتيجتهم الهزيمة والفرار والاستسلام، وما كان ذلك إلا بنصر من الله وفضله (ثم دعا بين ذلك. قال مثل هذا ثلاث مرات) فيه تقديم وتأخير يعني أنه قال الذكر المذكور ثلاث مرات، ودعا بعد كل مرة (انصبت قدماه) بتشديد الباء. أي انحدرتا (في بطن الوادي) أي منخفضه (حتى إذا صعدتا) بكسر العين، أي ارتفعت قدماه عن بطن الوادي، وخرجتا منه إلى طرفه الأعلى (وجعلتها) أي الحجة (عمرة) وحللت، يعني كنت متمتعًا من أول الأمر (ببدن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بضم الباء وسكون الدال، جمع بدنة بفتحات، هي إبل الهدي، وقد تطلق على البقرة أيضًا، نسبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن عليا اشتراها له (ثيابًا صبيغًا) أي مصبوغًا ملونًا (محرشا على فاطمة) من التحريش، وهو الإغراء، أي ذهبت لأذكر له ما يقتضي عتابها (والذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -) زاد في=

<<  <  ج: ص:  >  >>