للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ، وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ

الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعَرِ، أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ


= موضع السير (ثم سلك الطريق الوسطى) وهي غير طريق ذهابه، فذلك كان بطريق ضب، وهذا طريق المازمين، وهما جبلان، وكان - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك تفاؤلًا، بتغير الحال، كما كان يفعل في العيد، يخرج في طريق ويعود في طريق (التي تخرج على الجمرة الكبرى) هي جمرة العقبة، وهي أول الجمرات من جهة مكة، وآخرها من جهة منى (حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة) وهي جمرة العقبة، أي الجمرة الكبرى نفسها، وكانت هناك إذ ذاك شجرة (حصى الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين. قال في النهاية: الخذف هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها، والمراد بيان مقدار الحصى التي يرمى بها في الصغر والكبر، وفسروا حصى الخذف بقدر حبة الباقلاء. قال المحب الطبري: قال عطاء بن أبي رباح: حصى الخذف مثل طرف الإصبع. وقال الشافعي: هو أصغر من الأنملة طولًا وعرضًا، ومنهم من قال: كقدر النواة، ومنهم من قال: بقدر الباقلاء. انتهى. وقوله: "حصى الخذف" بحذف أداة التشبية، يعني رماها بمثل حصى الخذف (رمى من بطن الوادي) بحيث جعل منى إلى اليمن ومكة إلى اليسار، فهذا هو السنة، ولكن يجزئه كيفما رمى (ثم انصرف إلى المنحر) بفتح الميم أي موضع النحر، وهذا السياق يفيد أن المنحر كان موضعًا خاصًّا بمنى. قيل: منحر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد، فللنحر فيه فضيلة، ولكن حيثما نحر من منى أو من الحرم أجزأه (فنحر ما غبر) أي ما بقي من المائة، وهو سبع وثلاثون بدنة (ثم أمر من كل بدنة ببضعة) بفتح الباء الثانية، أي بقطعة من لحمها (فأكلا من لحمها) أي من لحم الهدايا أو البدن (وشربا من مرقها) المرق والمرقة: الماء الذي طبخ فيه اللحم (فأفاض إلى البيت) أي ذهب إلى بيت الله ليطوف طواف الإفاضة، ويسمى أيضًا طواف الزيارة وطواف الحج، وطواف الفرض والركن، وأصل معنى الإفاضة الدفع والإسراع في السير. وهذا الطواف ركن من أركان الحج، وأفضل وقته يوم النحر، ويمتد إلى آخر العمر، فلا يفوت بالتأخير (فأتى بني عبد المطلب) وهم أولاد العباس وجماعته، لأن سقاية الحاج كانت وظيفته (انزعوا) بكسر الزاء أي أخرجوا الماء بالدلاء (فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم) أي لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون =

<<  <  ج: ص:  >  >>