= دفع ناقته وحملها على السير يعني سار وخرج من عرفات (وقد شنق للقصواء الزمام) يعني جذب الزمام إليه وضمه وضيقه على القصواء، وإنما يفعل ذلك لمنع الناقة عن السرعة، وهو ضد إرخاء الزمام. (حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله) مورك بفتح الميم وسكون الواو وكسر الراء، هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب، وقال عياض: هو بفتح الراء، وهو قطعة أدم محشوة تجعل في مقدم الرحل شبه المخدة الصغيرة، يضع الراكب رجليه عليها متوركًا ليستريح من وضعهما في الركاب، أراد أنه قد بالغ في جذب رأسها إليه ليكفها عن سرعة السير (ويقول بيده اليمنى) أي يشير بها (السكينة السكينة) بالنصب أي الزموا السكينة، وهي الرفق والطمأنينة وعدم الزحمة (كما أتى حبلًا من الحبال) بالحاء المهملة، أي تلًّا لطيفًا من الرمل (أرخى لها) أي للقصواء الزمام قليلًا (حتى تصعد) بفتح العين أي ترتقي على ذلك التل المرتفع (ولم يسبح بينهما شيئًا) أي لم يصل بين المغرب والحاء شيئًا من النوافل (ثم اضطجع) للنوم تقوية للبدن، ورحمة بالأمة، لأن في نهاره عبادات كثيرة يحتاج إلى النشاط فيها (حتى طلع الفجر) أي نام حتى أصبح، وترك قيام الليل تلك الليلة لما تقدم له من الأعمال بعرفة من الوقوف من الزوال إلى ما بعد الغروب، واجتهاده عليه السلام في الدعاء، وسيره بعد الغروب إلى المزدلفة (فصلى الفجر حين تبين له الصبح) أي حين ظهر له، أي أول ظهور الصبح، وفيه التبكير بصلاة الفجر مع أول طلوع الصبح في هذا اليوم، وذلك لأن وظائف هذا اليوم كثيرة، فسن المبالغة في التبكير بالصبح ليتسع الوقت للوظائف (حتى أتى المشعر الحرام) هو جبل قزح - بضم ففتح - كما تقدم. وهو جبل صغير معروف بالمزدلفة. وقد يطلق المشعر الحرام على المزدلفة كلها، ولكنها ليست بمراد هنا (حتى أسفر جدًّا) أي أضاء الفجر إضاءة تامة، فالضمير في أسفر يعود إلى الفجر المذكور أولًا (فدفع قبل أن تطلع الشمس) أي ارتحل من المزدلفة إلى منى عند الإسفار قبل أن تطلع الشمس. وقد كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس. وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، فأخر الله الأول إلى ما بعد غروب الشمس، وقدم الثاني إلى ما قبل طلوعها (وسيما) أي حسنا جميلًا (مرت به ظعن) بضم الظاء والعين ويجوز إسكان العين، جمع ظعينة، مثل سفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الذي عليه المرأة، ثم أطلقت على المرأة نفسها لملابستها البعير (حتى أتى بطن محسر) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين. هو واد بين مزدلفة ومنى، سمي بذلك لأنه حسر فيه فيل أصحاب الفيل أي أعيى (فحرك قليلًا) أي حرك ناقته وأسرع السير قليلًا. وهذه كانت عادته - صلى الله عليه وسلم - في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه، وكذلك فعل في سلوكه الحجر ديار ثمود، تقنع بثوبه وأسرع السير. قاله ابن القيم. وقيل: إن أصحاب الفيل أهلكوا قبل الدخول في حدود الحرم، فكان إسراعه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الوادي لأمر آخر، وهو وجود سعة في =