للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ. وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ، فَلَا تَحِلَّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَالَّذِي

أَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ،


= بيوتكم ويجلس على فرشكم. قال الخطابي: معنى الحديث أن لا يأذن لأحد من الرجال يدخل فيتحدث إليهن، وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب، ولا يرون بذلك عيبًا ولا يعدونه ريبة، فلما نزلت آية الحجاب صارت النساء مقصورات، ونهى عن محادثتهن والقعود إليهن، وليس المراد بوطىء الفرش هنا نفس الزنا، لأنه محرم على الوجوه كلها، فلا معنى لاشتراط الكراهية فيه، ولو أريد الزنا لكان الضرب الواجب فيه هو المبرح الشديد، والعقوبة المؤلمة من الرجم، دون الضرب الذي ليس بمبرح، وقال النووي: والمختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلًا أجنبيًا أو امرأة أو أحدًا من محارم الزوجة. فالنهي يتناول جميع ذلك. وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل ولا امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه. اهـ (ضربًا غير مبرح) بكسر الراء المشددة من التبريح، وهو الضرب الشديد الشاق، أي اضربوهن ضربًا ليس بشديد ولا شاق (كتاب الله) إنما اقتصر عليه لأن العمل به مستلزم للعمل بالسنة (وأنتم تسألون عني) يعني يسألكم الله يوم القيامة عني هل بلغتكم رسالته أم لا؟ (قد بلغت) رسالات ربك (وأديت) الأمانة (ونصحت) الأمة (وينكتها إلى الناس) بالتاء بعد الكاف، والنكت ضرب رأس الأنامل إلى الأرض، أو ضرب رأس القضيب أو العود في الأرض بحيث يؤثر فيها وهو غير مراد، وإنما المراد الإشارة بالأصابع إلى الناس (اللهم اشهد) أي على عبادك هؤلاء بأنهم قد أقروا بأني قد بلغت (ثم أذن) أي بلال، كما هو عند ابن ماجه والدارمي وابن الجارود والبيهقي (حتى أتى الموقف) أي موقفه الخاص من أرض عرفات (فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات) الصخرات - بفتحتين - هي حجرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو جبل مشهور بوسط أرض عرفات، ومعنى جعل بطن الناقة إليها أنه كان واقفًا على تلك الصخرات، فهذا هو الموقف المستحب، ويصح الوقوف في حدود عرفة أين يقف (حبل المشاة) بضم الميم، جمع ماش، و "حبل" بالحاء المهملة المفتوحة مع سكون الباء، هو من الرمل ما طال منه وضخم، أي الربوة والتل اللطيف، والحبال في الرمال كالجبال في الحجر، وحبل المشاة مجتمعهم، وفي بعض النسخ "جبل" بالجيم المعجمة وفتح الباء، ومعنى جبل المشاة طريقهم، أي حيث تسلك الرجالة (وذهبت الصفرة قليلًا) أي بعد غروب الشمس، وبذلك استحكم غروبها (حتى غاب القرص) أي قرص الشمس كله، وهو عينها، والقرص: الشيء المستدير، وفيه تأكيد مزيد لاستحكام غروب الشمس، وأنه لم يرتحل إلا بعد ذلك، فالسنة أن يبقى في الموقف حتى تغرب الشمس، ويتحقق كمال غروبها، ثم يفيض إلى المزدلفة، أما وقت الوقوف بعرفة فهو ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثاني يوم النحر، فمن حصل بعرفات في برء من هذا الزمان صح وقوفه. ومن فاته ذلك فاته الحج (دفع) أي ابتدأ السير ودفع نفسه، أو=

<<  <  ج: ص:  >  >>