٤٦ - قوله: (في المسجد الأعظم) يريد مسجد الكوفة، وأبو إسحاق، والأسود بن يزيد والشعبي كلهم كوفيون (فحصبه به) أي ضربه ورماه به، إنكارًا منه على ذكر هذا الحديث، والعجيب من الأسود شدة إنكاره على ذكر هذا الحديث الصحيح المرفوع مع ضعف ما كان يتمسك به الأسود نفسه، وعسى أن يكون الشعبي أجل من الأسود، وأما قول عمر: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة) فإنه أراد بكتاب الله قوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] وقد عرفت أنه في الرجعيات وليس في البائنات، ولكنه لم ينتبه لذلك، وظن أن الآية عامة لجميع أنواع المطلقات، وكذلك أراد بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما جرى عليه العرف في زمانه - صلى الله عليه وسلم - من إيجاب النفقة والكسوة للرجعيات، ولم يطلع رضي الله عنه على الفرق بينهن وبين البائنات، فظن أنها عامة لهن وللبائنات، ويدل على هذا المراد قول عمر: (لا ندري لعلها حفظت أو نسيت) لأن معناه أنه لو علم أنها حفظت لتمسك بقولها، ولا يمكن ذلك إلا إذا لم يكن عند عمر كتاب أو سنة تختص بحكم هذا النوع من المطلقات. قال ابن القيم: وقد أنكر الإمام أحمد رحمه الله هذا من قول عمر، وجعل يتبسم ويقول: أين في كتاب الله إيجاب السكنى والنفقة للمطلقة ثلاثًا؟ . قال: وقال أبو الحسن الدارقطني: بل السنة بيد فاطمة بنت قيس قطعًا. اهـ وأما الشك في حفظها فلا محل له قطعًا. فقد احتج الأئمة بحديثها هذا على عشرات من المسائل، فإن الأئمة كلهم احتجوا بهذا الحديث على جواز خطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن المرأة قد ركنت إلى الخاطب الأول، واحتجوا به على جواز بيان ما في الرجل إذا كان على وجه النصيحة لمن استشاره أن يزوجه أو يعامله أو يسافر معه، وأن ذلك ليس بغيبة، واحتجوا به على جواز نكاح القرشية من غير القرشي، واحتجوا به على وقوع الطلاق في حال غيبة أحد الزوجين عن الآخر وأنه لا يشترط حضوره ولا مواجهته به، واحتجوا به على جواز التعريض بخطبة المعتدة البائن، وكانت هذه الأحكام كلها حاصلة ببركة روايتها وصدق =