للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النفس والنفيس في استقصاء الحقيقة فتركوا المناقشات النظرية والحدسية واقتصروا على التجربة والعمل وإذ كانت سوق العلوم وقتئذ رابحة ناجحة لم يتركوا واسطة أملوا منها بعض النجاح لأي علم أو فن نسبت ولم يستعينوا بها في البحث عن الحقيقة. وأفضل الوسائط والآلات لهم خدمة هو كما سبق القول المجهر الذي كان وقتئذ قد أيقنت صناعته واستكملت فتوصلوا به إلى رؤية أدق الميكروب عيناً وعياناً.

ولما كان مجرد وجود الأجرام الحية في مادة مختمرة أو متعفنة لا يكفي للتصديق بأنها المسبب الوحيد لذلك اقتضى أن يتبين أيضاً بالتجربة بأن ظواهر الاختمار لا يمكن حصولها في مادة ما جردت من تلك الإجرام وحجبت عنها. وعليه فإنهم كانوا يصنعون المواد التي يقصدون التجربة عليها في زجاجات فيغلونها في الماء لكي تموت بالحرارة الأجرام الحية من السائل والزجاجة وذلك إما بسد الزجاجات أثناء الغليان أو بتعرية الهواء الداخل إليها من الأجرام الحية.

قلت فيما سبق أن هذا الأمتحان كان سبق إليه وجرب منذ سنين عديدة. فكان العالم منثار قد اختبر بأنه يقي من الفساد جميع المواد التي يغليها ثم يغمرها في الزيت يحجرها عن الهواء أو إنه كان ينقي ويصفي الهواء من أجرامه بالحوامض قبل أن يمس تلك المواد المغلية.

وفي سنة ١٨٣٧ أعاد شوأن الموما إليه تلك التجارب عينها وكان زيادة على ذلك إذا هلك الأجرام الموجودة في الهواء بأمراره في أنبوب حام قبل وصوله إلى المواد المعروفة للتجربة لم تفسد.

إن تنقية الهواء من الأجرام الحية سواء كانت بوسائط كيماوية أو بحرارة النار لم تغير تركيبه الطبيعي. على أن المخالفين للرأي الحيوي تشبثوا بها محتجين بأن الهواء بتلك الوسائط يطرأ عليه تبدلات جوهرية فلا يعود صالحا للحياة. فرداً لهذا الاعتراض عاود شريدر وفوندش سنة ١٨٥٤ تلك التجارب ولكنهما جعلا ذلك في زجاجات ذوات عنق أو أنبوب طويل منحن على زاوية قائمة. والغرض من ذلك هو تسريح البخار والهواء الخارج من الزجاجة عند الغليان وبعد تصفية الداخل إليها بقطعة قطن مندوف نقي توضع في فوهة الأنبوب فصحت التجربة وأفحم المعترضون. ولكن حاول بوشه في سنة١٨٥٨ أيضاً إثبات