للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استرداد المجرمين]

في البلاد الأجنبية

لا مراء في أن الردع لكثير من المخلوقات عن ارتكاب المنكرات الشخصية والاجتماعية والسياسية هو الخوف من العقوبة لا الخوف من الضمير. ولذلك نرى من الأخلاق لهم يرتكبون أفضح المنكرات إذا وجدوا للفرار والخلاص من وجه القانون سبيلاً.

لا ترجع النفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر

والخلاص من أحكام القانون يكون بوجوه كثيرة منها (١) الرشوة (٢) شهود الزور (٣) إغضاء المأمورين لأجل تطبيق قاعدة إدارة المصلحة (٤) بلاهة بعض الحكام (الحاكم مأمور العدلية فقط). والدواء الوحيد لهذا الداء القتال تعميم العلم وتهذيب الأخلاق وتعريف الإنسان معنى الإنسانية. أي أنه خلق ليخدم أبناء قومه لا ليأكل ويشرب وينافق وينام كبهيمة الأنعام إذ لا ضرر من الأنعام إن لم يتحرش المرء بها، وأما هؤلاء فإنهم يمقتون من كان ذا مزية سواء وافقت أهواءهم أو لم توافق. لأن جل مراسمهم محق الحق والعدل والفضيلة ليس إلا. وأقوى سلاح يتخذونه هو الكذب والافتراء وغاب عنهم أن حبل الافتراء قصير.

(٥) فرار المجرم من بلاد دولة إلى بلاد أخرى. وهذا موضوع بحثنا هذا.

لا يحق لدولة من الدول أن تكره مأموري دولة أخرى عَلَى تطبيق أحكام قوانينها مطلقاً. لأن حق القضاء محدود داخل المملكة ولا مساغ لتعديه حدود غيرها. فعدَّ من لا خلاق لهم من أرباب القلوب الصلبة والضمائر الميتة هذه القاعدة نعمة كبرى وأخذوا يفرون إلى الممالك الأجنبية ليتخلصوا من الجزاء وهكذا كان.

بيد أن هنا مضرات عديدة اجتماعية لفتت نظر رجال الدول فطفقوا يفكرون بتدبير مؤتم يمنع هذا الفرار لأجل استعادة المجرمين. لماذا؟

لا شك أن المجرم إذا ترك بلا جزاء يكون سبباً داعياً لكثرة الجرائم واختلال الأمن العام مما ثبت تاريخياً فإنه من أعدى الأمراض وإنه سريع الانتقال من مملكة إلى أخرى. وهذا هو السر الذي يدعو الدولة أن تطلب المجرم الفار من بلادها.

عَلَى أن المجرب إذا حل مريض بين أصحاب مرضهم أو فاسد بين أدباء أفسدهم فخوفاً من