أوردنا في الجزء الأول نموذجات من كتاب تاريخ السياسة الأوروبية الحاضرة وها نحن نشفعه بفصل ضاف عقده في معنى التبدل المادي الذي حدث في الحياة السياسية قال ما ترجمته:
الاختراعات المادية - لم يأت زمن في تاريخ البشر تبدلت فيه الأسباب المادية في الحياة بسرعة كما تبدلت فيه في القرن التاسع عشر في أوروبا فإن الصناعات العملية التي تكملت منذ العهد القديم بما نالها من الارتقاء الطبي في مجموعها قد انقلبت انقلاباً أصليلاً ظهراً لبطن بحيث كانت المسافة كبيرة جداً بين الطرق العلمية التي كان الناس يجرون عليها في القرن الثامن عشر والصناعة الحديثة وبين الطرق التي اتخذت في القرن الثامن عشر وصناعات الأقدمين ومنها الصناعة المصرية.
وهذا الانقلاب هو نتيجة الاختراعات التي قامت بالتجربة فقط أو بتطبيق أساليب العلوم العلمية وكثير منها ينتهي إلى الثلث الأخير من القرن الثامن عشر بيد أن نتائجها العملية لم يشعر بها في جمهور الشعوب في أوروبا قبل أواخر حرب الإمبراطورية الفرنسوية فتغير الحياة المادية لم يبدأ إلا بعد سنة ١٨١٤ فهو أعظم حادث عصري بل هو حادث دولي لأن تلك الاختراعات أوجدتها عقول العلماء والمخترعين من كل الأمم وهي مشتركة بينهم بحيث يتعذر كل حين تمييز من له الحظ الأوفر من الأمم في هذه الخدمة فقد انتقلت من أمة إلى أخرى مفيدة لها كلها على السواء.
امتزجت أساليب الحياة المادية الجديدة في عاداتنا بحيث يصعب علينا أن نتمثل كيف كانت أوروبا سنة ١٨١٤ على قربها من زمننا واختلاطنا معها في طرز الحياة ولا يخلو من فائدة التذكير بالمخترعات الرئيسية التي جعلت بيننا وبين أجدادنا في ثلاثة أرباع قرن هذا الاختلاف العظيم وأني لأحاول أن أقص هنا تاريخ ما حدث فإنها قامت كلها في أدوار مختلفة على أساليب مختلفة من التكمل المتواتر مما يصعب به نظمها بحسب السنين بل أريد هنا أن أحصيها جامعاً على طبقات المعارف التي هي عملياتها في الحقيقة.
فإن الاختراعات الميكانيكية التي تمت كلها في إنكلترا خلال القرن الثامن عشر كانت أولاً أدوات تدار بالأيدي مثل أدوات نسج القطن ونسج الصوف وخياطة الصوف وحياكة القطن وحياكة الصوف وخياطة أقمشة الصوف وصنع الجوارب (أما آلة الخياطة فلم تحدث إلا