فجع العلم هذا الشهر بفقد أحد أساطينه الحجة الثبت الشيخ أحمد أبو خطوة رجل العلم الراجح والفضل الجم. ولد طاب ثراه في بلدة كفر ربيع من أعمال المنوفية وكان والده من أوساط الناس وحفظة الكتاب العزيز فلما ترعرع تعلم ما أمكنه تعلمه في بلده وحفظ القرآن ثم أتى إلى القاهرة سنة ١٢٧٩ وعمره قرابة خمس عشرة سنة لتلقي العلم في أزهرها فأخذ الفقه الحنفي عن الشيخ عبد الرحمن البحراوي والشيخ عبد الله الدرستاوي وحضر لأول أمره في مذهب المالكية على الشيخ الشعبوني وأخذ المعقولات عن الشيخ محمد البسيوني البيباني والشيخ أحمد الرفاعي الفيومي والشيخ حسن الطويل ولازم الأخير ملازمة متصلة فقرأ عليه المنطق والتوحيد والهندسة والأخلاق والتصوف والحكمة العالية القديمة وغيرها من العلوم التي لم تعهد قراءتها في الأزهر. واستمر على الاتصال بالشيخ الطويل وهو من أعظم فلاسفة المسلمين في هذا القرن بمصر حتى مضى هذا لسبيله كما استمر ملازماً الشيخ الدرستاوي حتى أتم عليه دراسة مذهب بأجمعه. هؤلاء هم مشايخ الفقيد الذين تخرج بهم ومنهم الشيخ الشربيني أيضاً.
وفي سنة ٩٢ جاز الامتحان لنيل شهادة العالمية من الأزهر فحاز الدرجة الأولى وعد من نوابغ الأزهريين المتمكنين من الفروع والأصول الجامعين إلى المنقول والمعقول. ولقد أسعده الحظ بملازمة الشيخ الطويل فجاء منه رجل لم يجمد جمود الفقهاء ولم يطش طيش السفسطائيين من المتفلسفين. وكان متضلعاً من علمي الفقه والأصول يمزجهما معاً في درسه. وأكد لي عليم بأحواله أنه كان كنزاً مخفياً في هذين العلمين لم يعهد له فيهما قرين في علماء زمانه. درس زمناً طويلاً في الأزهر فانتفع الطلاب بعلمه وسعة مداركه وكثرة تحقيقه وكان مفتياً لديوان الأوقاف زمناً ثم عين قاضياً في المحكمة الشرعية في هذه العاصمة.
حدثني صديق له أنشأ معه وراقب سيره وسيرته أنه كان سريع الفهم سريع القراءة سريع الكتابة قوي العارضة متين الحجة بليغ القول حاد الذاكرة بيد أنه لم يكتب إلا نادراً لاشتغاله بمهام القضاء لما نضج علمه واشتد ساعده ولأنه كان بعيداً عن الظهور ولعل ذلك كان منه لحكمة اقتضتها التقية التي يضطر أكثر الموظفين في الحكومات الشرقية إلى اتخاذها شعارهم. ومن الأسف أن ٩٩ في المائة من النوابغ في الشرق ينصرفون جملة واحدة إلى