اتفق لنا ونحن نعجب بالنبذة التي ننشرها لأبي زيد البلخي من أهل القرن الثالث في تدبير الصحة أن عثرنا في المجلة الباريزية على بحث للدكتور هيريكور الفرنسوي في هذا المعنى نفسه فرأينا تعريبه ليقابل القراء بين القديم والحديث قال: الصحة أعظم النعم ولا شيء يوازيها من سلطة وثروة في جلب الراحة بل ليس من سعادة أعظم مما توليه الصحة، ففي الصحة شعور بطول بقاء المرء مما يقوي الساعد على العمل والإنتاج إلى ما وراء التصور فيزيد في حسن الخلق الذي ينشر السعادة في أطراف صاحبه، والصحة الطبيعية شرط في الصحة الأدبية لأن من سلمت حواسه من العيوب وأطرافه من الفساد يسلم عقله، والصحة الأدبية عبارة عن قواعد من شأنها ضمان صحة الأفراد والمجموع، ولا يظن ظان أن هذه القواعد تزيد في الأنانية بل هي ولأمراء مدرسة مدهشة بثت روح الغيرية لأن خلق التضامن يتجلى في أبهى مظاهره في مسائل التدابير الصحية، والتضامن هو المحور الذي تدور عليه حياة المجتمعات البشرية في المستقبل.
وإنا نشعر بالمسؤولية الأدبية التي تصيبنا في المسائل الصحية العامة، مثال ذلك أن امرأ إذا كتم مرضاً سارياً ينشأ منه وباء يهلك فيه ألوف من الناس أفليس خليقاً به أن يدرك بأنه إذا باح بالمرض يقاتله هو ومن حوله على حين لو كتمه لأودى به وبغيره فليس تدبير الصحة والحالة هذه هو تدبير الجسم فقط بل هو تدبير الأخلاق بمجموعها.
يعلمنا علم منافع الأعضاء أن الجسم آلة لا تبقى على حالة حسنة كما هو الحال في جميع الآلات إلا بالعمل، وعلم الصحة بما فيه من القواعد التي من شأنها حفظ حياة الفرد وحياة الجماعة يعلمنا أيضاً الطرق التي تضمن لتلك الأداة البشرية أحسن نتائجها وأطول أيامها وكيف يتمكن الآباء من إيلاد الأولاد الأقوياء النافعين، فإذا عرفنا من علم الفسيولوجيا كيف أن الفرد هو ابن محيطه فإن العلم يشير إلى تلك النقطة التي يجب على المقتنين أن يوجهوا عنايتهم إليها إذا أحبوا تحقيق أسباب حسن تربية الفرد التي لها اتصال بطبيعة الأرض أكثر من اتصالها بنوع البذار أي بصحة الأجسام أكثر من صحة التعاليم.
وعلى الجملة فإن علم الصحة (الهيجيين) يأمر المرء بالعناية بصحته وصحة الناس ويشير إليه بالعمل ويدله على أسباب العمل الجيد ويبصره بعواقب الغرور ومخاطر الشهوات التي يطلب المرء فيها سعادته عبثاً وما هي في الحقيقة إلا سيئة الأثر منهكة للقوى، نعم أن علم