شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني أعظم عالم بالسنة وهو في الإسلام كلوثيروس في النصرانية من التوفر على الدعوة إلى الإصلاح إلا أن الأول أعلم والثاني أحكم. ولقد توفر ابن تيمية على الإصلاح الديني ببث الدعوة من طريق التأليف والرد على المبتدعة والمخالفين فعدت تآليفه ورسائله بالمئات وكلها آية في انسجامها غاية في نفعها وفيها تقرأ بعض ما خص به هذا الإمام من المواهب التي قل أن يطمح إليها فرد فذ في أمم كبيرة وقورن كثيرة. وكانت تآليفه رحمه الله بحسب الحاجة والدواعي. ومعظم المخلصين من المؤلفين يضعون تآليفهم على هذا النحو مدفوعين بتلك العوامل.
ولما ورد من قبرص على عهد المؤلف - وكان يتنقل من دمشق إلى مصر - كتاب فيه الحجج السمعية والعقلية لدين النصرانية ألف كتابه هذا الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح جعله فصل الخطاب في هذا الباب. وظل هذا المصنف منذ القرن الثامن للهجرة إلى يوم الناس هذا مطوياً في الخزائن لا يتداوله غير خاصة أهل العلم حتى استرسل دعاة البروتستانت مؤخراً في بث دعوتهم ولاسيما في هذا القطر فانتدب حضرة الفاضل الشيخ مصطفى القباني إلى طبع هذا الكتاب الجليل يقابل به تلك المؤلفات الضخمة والرسائل الكثيرة التي وضعها المرسلون.
وبهذا رأيت أن تأليف الكتاب كان لباعث قوي ونشره بين الخاصة والعامة كان لباعث أقوى. ومن يرجع إليه يعلم مبلغ علم المؤلف واطلاعه على الديانات والنحل ووقوفه على السنة وتاريخها وتأدبه مع مخالفيه ولا عجب فهو هو نسيج وحده وغرة جنسه. أما الطابع فمن الرجال المولعين بإحياء مآثر السلف والعاملين على نشر أعمالهم فقد طبع إلى اليوم من الكتب الممتعة من تآليف أئمة الأمة ما يبيض الوجوه. ومما طبعه من كتب حجة الإسلام الغزالي محك النظر، والاقتصاد في الاعتقاد، والقسطاس المستقيم، وفيصل التفرقة، والحكمة في مخلوقات الله. ونشر أيضاً آراء المدينة الفاضلة للفارابي. وما بعد الطبيعة لابن رشد. وتأسيس النظر للدبوسي. والكلم الروحانية لابن هندو وغيرها.
فنشكر له تحفته الأخيرة ونثني على عنايته بتبويب الجواب الصحيح وتصحيحه وهو في