لا مراء أن من يشتغل بالكتابة ويتوغل في المطالعة يمر به من صور التراكيب ومن الألفاظ المفردة ما يربك ذهنه وإذا راجع كتب النحو وكتب اللغة فلا يهتدي إلى ما يجلو له وجه الصواب فإن علماء العربية عل كثرة ما ألفوا في علمي الصرف والنحو واللغة تراهم قد أغفلوا من القواعد والتنبيهات والمفردات ما قد ترى بعضه في كتب الشروح أو في الكلام القديم كما ذكرت ذلك في مقالة بهذا العنوان نشرت في المجلد الخامس والعشرين من المقتطف وقد اجتمع إليَّ كثير من هذه الدقائق فلم أدخرها لنفسي بل أحببت نشرها رغبة في أن يكون للأدباء من وراء نصبي فائدة وابتغاء تخليص العبارة من علل الخطأ فإن في بعض المنشورات الحديثة ما يذوب له قلب البلاغة وتدمع له عين الفصاحة وأكبر نصير لتلك المنشورات على تشويه محبا البيان اختلاط الغث بالسمين فبينا تمر فيها بالبليغ إذ بك قد وقعت في أركِّ تركيب حتى أن المنشورات العامية العبارة أخف جناية على الفصاحة مما اجتمع فيه الصحيح بالمعتل فيلتبس على الضعفاء من أهل الأدب العليل بالصحيح والخطأ بالصواب فيتخذون الخطأ صواباً والعليل صحيحاً وتلك رزية كبيرة على الفصاحة فمن هنا تعلم أن نشر مثل هذه المقالات المتممة للناقص والمبينة للمبهم هي أوسع فائدة وأجل نفعاً وأرفه شأناً من تأليف كتاب في علم قد صارت المؤلفات فيه تربى على الألوف كما هي الحال في علم العربية.
الدقيقة الأولى
قد أجازوا أن تخاطب جماعة النساء خطاب الواحدة كما أجازوا أن ينعت ويخبر عن الجمع المكسر بالصفة مفردة فيقولون عيونهم نائمة وما أجمل العيون الحوراء. ولم أجد من نبه على ذلك فيما وقفت عليه من كتب النحو والصرف مع أنه واردٌ في كلام من بنيت على كلامهم قواعد التصريف والإعراب قال علقمة بن علف المري وهو من شعراء الحماسة:
ولست بسائل جارات بيتي ... أغياب رجالك أم شهود
وقال آخر:
قد كتب الحسن على وجهه ... يا أعين الناس قفي وانظري
فقال الأول (رجالك) مكان (رجالكن) وقال الثاني (قفي وانظري) مكان (قفن وانظرن).