ما من أحد ينكر تأثير الغناء في النفس فهو مشاهد دون غيره من الملذات فما يصيب العين يتولد منه البكاء وما يصيب اللسان يحدث منه الصياح وما يصيب اليد يحدث منه تمزيق الثياب واللطم وما يصيب الرجل يحدث منه الرقص قال ابن عبد ربه هل خلق الله شيئاً أوقع بالقلوب وأشد اختلاساً للعقول من الصوت الحسن وقال أيضاً صنعة الغناء هي مراد السمع ومرتع النفس وربيع القلب ومجال الهوى ومسلاة الكثيب وأنس الوحيد وزاد الراكب لعظم موقع الصوت الحسن من القلب وأخذه جامع النفس وقال سهل بن عبد الله السماع علم استأثر الله تعالى به لا يعلمه إلا هو وزعمت الفلاسفة أن النغم فضل بقي من المنطق لم يقدر اللسان على استخراجه فاستخرجته الطبيعة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع فلما ظهر عشقته النفس وحن إليه الروح وقال معبد لقد صنعت ألحاناً لا يقدر شبعان ممتلئ ولا سقاء يحمل قربة على الترنيم بها ولقد صنعت ألحاناً لا يقدر المتكئ أن يترنم بها حتى يقعد مستوفزاً.
وقال ابن ساعد ومنفعة الموسيقى بسط الأرواح وتعديلها وتقويتها أيضاً لأنه يحركها أما عن مبدئها فيحدث السرور واللذة ويظهر الكرم والشجاعة ونحوها وأما إلى مبدئها فيحدث الفكر في العواقب والاهتمام ونحوها ولذلك يستعمل في الأفراح والحروب وعلاج المرضى تارة ويستعمل في المآتم وبيوتات العبادات أخرى وقال أفلاطون من حزن فليستمع الأصوات الطيبة فإن النفس إذا حزنت خمد نورها فإذا سمعت ما يطربها أشتعل منها ما خمد وكان يقال قديماً إذا قسا عليك قلب القرشي من تهامة فغنه بشعر عمر بن أبي ربيعة وغناء ابن سريج وقال الغزالي في الأحياء لله تعالى سر في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى أنها لتؤثر فيها تأثيراً عجيباً فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما ينوم ومنها وما يضحكك ويطرب ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس ولا ينبغي أن يظن أن ذلك لفهم معاني الشعر بل هذا جار بالأوتار حتى قيل إن لم يحركه الربيع وأزهار والعود