للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحلة إلى المدينة المنورة]

تتمة ما في الجزء السابع

في مدينة الرسول

ماذا يرجى لراكب القطار الحديدي أن يراه ليصفه والقطار يسرع في سيره مواصلاً الليل بالنهار وكل بقعة من البقاع بين دمشق عاصمة الإسلام الثانية ويثرب عاصمة الإسلام الأولى تحتاج إلى عدة علماء يتوافرون عَلَى دراسة ما فيها من الآثار العادية والتاريخية والطبقات الأرضية والأحداث الجوية والمواليد الثلاثة الطبيعية أو المملكة النباتية والحيوانية والجمادية ولكن عابر سبيل يمر كالسهم لا يطالب بمثل ما يطالب به الباحث محققاً مدققاً فمعذرة إلى من يتوقعون منا أن يروا في رحلتنا هذه فائدة تخرج عن حد ما وقع عليه النظر في أيام معدودة.

ركبنا من محطة القطرانة في الكيلومتر ٣٢٦ إلى المدينة فوقف بنا القطار ساعات في المحطات الكبرى وهي معان في الكيلومتر ٤٨٩ وتبوك في الكيلومتر ٦٩٢ ومدائن صالح في الكيلومتر ٩٥٥ ثم المدينة في الكيلومتر ١٣٠٣ وكانت المناظر تختلف علينا اختلاف الأهوية وكلما تقدمنا نحو الحجاز نشعر بالحرارة. وكان الوقت شهر آذار والطريق التي سلكها الخط الحجازي غريبة تدل عَلَى حذق في الهندسة وتفنن وهي لا تبعد كثيراً عن الطريق التي يسلكها الراكب الشامي مدة ثلاثة عشر قرناً فيما نعلم اللهم إلا ما اقتضته الهندسة من التعاريج كما شاهدنا ذلك في المحل المسمى ببطن الغول وغيره.

والجبال غريبة التكوين في الطريق من بعد تبوك فبعضها هرمي الشكل والآخر أسطواني وبعض متساوي الأضلاع وآخر زاوية منفرجة أو حادة أو قائمة جعلت في بسائط منظمة منفرجة تسير ساعات بل أياماً بسير الجمال ولا ترى إلا رمالاً وصخوراً وليس من الغابات إلا الهشيم (الهيش) في بعض الأصقاع أو السلم والسمر وهما أكثر شجر الحجاز. والجبال مصهورة حمراء أو كما قال البكري (معجم ما استعجم) في وصف الجبال بين مكة والمدينة أنها كلها تضرب إلى الحمرة تنبت الغرب والغضور والثمام.

وإن المرء لتحدثه نفسه وهو يطوي البيد طي السجل للكتاب من دمشق إلى المدينة كيف كان الحجاج قبل السكة الحديدية يقطعون هذه الأودية والتلول والجبال والحرات والبرقات