مازال الزمان يرينا من أثار الأندلسيين كل سفر جليل ويكشف لنا عن عنايتهم بجميع العلوم مايدل على عظيم اقتدارهم وسموا أفكارهم لاسيما في العلوم الأدبية التي هي عنوان رقة الشعور وصفاء الذوق فقد تفننوا في طرق الإنشاء وأساليب البلاغة بما لا يدخل تحت الحصر.
اسعدني الحظ في الاستانة بالوقوف على المقامات اللزومية وهي عبارة عن خمسين مقامة في مكتبة (جامع لاله لي) للوزير الكاتب الأمام أبي الطاهر محمد بن يوسف التميمي السر قسطي الأندلسي انشأها عند ما وقف على ما أنشأه الرئيس أبو محمد الحريري بالبصرة وبناها على أحسن اسلوب والتزم في نثرها ونظمها مالا يلزم وقد وجدت على ظهر الكتاب ما نصه (المقامات الخمسون) المحتوية على معاني الأدب للوزير الكاتب الأمام أبي الطاهر محمد يوسف بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن إبرأهيمالتميمي المازني السرقسطي ويعرف بابن الاشتركوني أبو الطاهر. قال ابن الزبير: كان أديباً لغوياً شاعراً كاتباً معتمداً في الأدب فرداً متقدماً في ذلك في وقته روى عن أبي علي الصفدي وأبي محمد بن السيد وابن البادش وابن الاخضر وأخذ عنه أبو العباس بن ضا قال: وعليه اعتمدت في تفسير كامل المبرد لرسوخه في اللغة العربية وله المقامات اللزومية الشهيرة وشعره كثير مات بقرطبة يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من جمادي الأولى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ومن شعره
ومنعم الاعطاف معسول اللمى ... ما شئت من بدع المحاسن فيه
لما ظفرت بليلة من وصله ... والصب غير الوصل لا يشفيه
انصجت وردة خده بتنفسي ... وظللت اشرب ماءها من فيه
وهاءنذا اذكر المقامة الأولى تفكهة للقراء ورجاء أن يطلع عليها من لهم عناية بنشر أثار السلف فيمثلها للطبعة فيفيد ويستفيد وهي هذه:
المقامة الأولى القفرية
قال: حدثنا المنذر بن حمام قال: حدث السائب بن تمام قال: اني لفي بعض البلادوقد اقبلت من الطريف والتلاد استاف الأرض واذرع الطول والعرض افتل الدهر في الذروة