لا خفاء أنّ كثيراً من الدواعي القديمة والحديثة والآتية تتخذ أسباباً لأسماء البلدان والمدن والأماكن على اختلافها واختلاف اللغات والقبائل والزمان والمكان ونحو ذلك من المؤثّرات التي تعمل في الإعلام عمل المؤثّرات الطبيعية من حرارةٍ وبرودةٍ ونحوهما في سيّارنا الأرضي فتقلب الجبال سهولاًوالسهول تلالاً واليابسة بحاراً والبحار يابسةً حتى إنك إذا درست طبقات الأرض وأنعمت فيها النّظر توصّلت بالبحث إلى استطلاعٍ تلك ألفواعل وتعاقبها وما سبّبته البراكين والزلازل والمؤثّرات الأخرى مهما كانت. فتقف حائراً عندها مسبِّحاً الخالق الذي أعطاك عقلاً مدقّقاً وأرشدك إلى معرفة العلل والأسباب لتقتنع وتلتذَّ بما تكتشفه من مبهماتٍ الشؤون وغرائب الحوادث
ومن الثّابت أنّ تأثير العبادات وتيّار الأديان وتعاقب ألفاتحين وتداخل اللغات أو تزاحمها هي من أهمّ هذه ألفواعل في أعلام الأماكن فترى الأمّة التي تقف على عَلَم مكانٍ كان قد وضعه من قبلها أمّا تحوّله إلى لغتها أو لغة جيرانها أو تتمحل له سبباً بغويّاً آخر لتمييزه ومعرفة معناه أو داعي تسميته. ثم تأتي أمّةٌ أخرى بعدها تطرّس على آثارها فتنقض رأيها وتؤيّد رأياً جديداً لها فيه نظرٌ آخرٌ أو تقتفي أثرها بنقل سبب تلك التسمية على علاّتها فيقع الإشكال في ردِّ الأعلام إلى نصابها وإرجاع الألفاظ إلى مظانّها ومعرفة اللغة التي وضع فيها العلم وما كان القصد من وضعه إلى ما يساوق مثل هذه التّعليلات ويدخل في حيّز اللغات الميّتة أو الحيّة ويرشد الباحث إلى الوقوف على ما هو الأرجح والأثبت. ولا سيّما إذا كان قد درس علم الآثار القديمة (الأركيولوجي) والأساطير (مثولوجية) وعلم الأزمنة والأعداد التاريخيّة (الكرونولوجية) وعلم مقابلة اللغات وعلم الديانات ونحو ذلك من العلوم التي لها أكبر علاقةٍ في معرفة الأمم وعباداتها ولغاتها وتعاقبها
ولقد وضعت تواريخٌ كثيرةٌ مطوّلةٌ لسورية وبعض مدنها وبلدانها مثل (تاريخ زحلة) الذي طبع و (تاريخ سورية المجوَّفة) أي سهل بعلبك والبقاعين و (تاريخ قضاء المتن) وغيرها مما لم يطبع وحللت فيها أسماء القرى والأماكن تحليلاً تاريخيّاً أثريّاً لغويّاً يبيّن شؤون القدماء وعباداتهم ومن هذه المؤلّفات اقتطفت هذه المقالة الآن.
فإذا بحثا في أسماء القارّات العظيمة نجد أنّ اسم قارّة (آسية) إما من كلمةٍ شرقيّةٍ قديمةٍ بمعنى (النّور) أو من كلمة (إؤس) اليونانيّة بمعنى ألفجر. وإما باسم (آسية) في الأساطير