كانت الرتب والأوسمة العامل الأقوى في إفساد الأخلاق على عهد الحكومة الاستبدادية الماضية فاستعملها الظالم ذريعة لرفع من شاء ولو كان وضيعاً وتصغير من أراد ولو كان كبيراً وفي تقلد الأوسمة ونيل علائم الرتب كم خربت بيوت وشتت شمل أسرات وكانت أقل الوسائط إليها وأقربها تناولاً أن يعمد من يرغب في التشرف بها إلى التجسس على الأحرار وإيجاد السبل لإرهاق من يطالب الحكومة السالفة بإصلاح المختل ومداواة المعتل.
ومن نظر في التاريخ يجد الألقاب عند العرب والإفرنج من بقايا القرون الوسطى قرون الهمجية والانحلال. فمنشأوها عند العرب كما قال ابن الحاج في المدخل الترك فإنهم لما تغلبوا على الخلافة تسموا هذا شمس الدولة وهذا ناصر الدولة وهذا نجم الدولة إلى غير ذلك فتشوقت نفوس بعض العوام ممن ليس له علم بتلك الأسماء لما فيها من التعظيم والفخر فلم يجدوا سبيلاً إليها لعدم دخولهم في الدولة فرجعوا إلى أمر الدين فكانوا أول ما حدثت عندهم هذه الأسماء إذا ولد لأحدهم مولود لا يقدر أن يكنيه بفلان الدين إلا بأمر يخرج من السلطنة فكانوا يعظمون على ذلك الأموال حتى يسمى ولد أحدهم بفلان الدين فلما أن طال المدى وصار الأمر إلى الترك لم يبق لهم بالتسمية بالدولة معنىً إذ أنها قد حصلت لهم فانتقلوا إلى الدين ثم فشا الأمر وزاد حتى رجعوا يسمون أولادهم بغير ما يعطوه على ذلك ثم انتقل إليه بعض من لا علم عنده ثم صار الأمر متعارفاً متعاهداً حتى أنس به العلماء فتواطأوا عليه. قال أبو بكر الخوارزمي:
مالي رأيت بني العباس قد فتحوا ... من الكنى ومن الألقاب أبوابا
ولقبوا رجلاً لو عاش أولهم ... ما كان يرضى به للحش بوابا
قلّ الدراهم في كفي خليفتنا ... هذا فأنفق في الأقوام ألقابا
أما في الغرب فكانت الرتب العلمية والجندية في القرون الوسطى تباع بيع العروض والعقار يمنحها الملك لمن يريد من حاشيته أو لمن يرى هو ورجاله أنه قام بخدمة لبلاده وربما ورثها عنه أبناؤه وأحفاده من بعده على نحو ما أصبح أولاد العالم في العهد الأخير في هذه الديار يرثون وظائفه ومقامه كما يرثون أرضه ومتاعه وتطلق عليهم ألقاب هي العجب العجاب وأسماءٌ ما أنزل الله بها من سلطان كأن يقال لا جهل الجاهلين أعلم العلماء المحققين وللخالع المارق ناصر السنة والدين.