عرف المطالعون من مواطنينا كثيراً عن غرائب ديانات البشر وعقائدهم ومعبوداتهم القديمة والحديثة ولكن نظن أنه لم يخطر لعاقل منهم ببال أنه يوجد حتى اليوم أمم عريقة في التمدن وهي تعد بالملايين تعبد إنساناً حياً مثلهم وتقدم له من أنواع التكرمة والتبجيل والإعظام ما لا ينبغي تقديمه إلا للإله الحي الأزلي القيوم فاللاما وما أدراك ما اللاما إن هو بشر كسائر الناس يأكل ويشرب ويضحك ويبكي ويخطئ ويصيب ومع ذلك فالملايين من الصينيين والهنود والمغول يؤلهونه تأليهاً ويبذلون له من ضروب العبادات ما يقضي بالحيرة والاستغراب والذهول هذا ولما كان الموضوع غريباً عجيباً وقد لا يخلو من الفائدة لمن تتبع تاريخ وأحوال وشؤون الأمم وما انطوت عليه من الشذوذ والمدهشات رأينا أن نطرفهم بهذه المقالة آخذة بناصيتي الإيجاز والوضوح فنقول:
إن الدين اللاماوي قديم جداً مر عليه زهاء ثلاثة آلاف سنة وهو زاه سائد منتشر في مساحة من المعمور تقرب من سبعمائة ألف ميل ممتدة من ينبوع نهر الأندوس إلى حدود الصين ومن تخوم الهند إلى قفر كوبي وتسمى هذه المملكة ثيبة أو تيبت وعدد سكانها يتجاوز الستة ملايين وهي مجاورة لجبال حملايا وترتفع عن سطح البحر نحو عشرة آلاف قدم بيد أن هذا الدين لم ينحصر في تلك المملكة فقط بل تسربت تعاليمه أيضاً منذ عصور متطاولة إلى قبائل وفصائل كثيرة من أمة التتر المتجولة بين ضفاف نهر الولكا وكوريا بجوار بحر اليابان وإلى كثير من جزائر الهند ومقاطعات الصين حتى يقول الباحثون أن الذين يدينون بهذا الدين لا ينقصون عن مئة مليون أكثرهم ممن لهم أقدام راسخة في المدنية الشرقية وعراقة تامة في الحضارة بين أصحاب اللون الأصفر والقوقاسيين من شعوب آسيا الكبرى.
ومقر عرش هذا المعبود استغفر الله إنما هو قصر يسمى باتولي مبنيٌ في ذروة جبل على مقربة من شاطئ بارمبوتر بينه وبين لاسا عاصمة البلاد سبعة أميال وفي حضيض ذلك الجبل يقيم نحو عشرين ألفاً من الكهنة تتفاوت رتبهم الدينية بحسب بعد منازلهم وقربها من عرش اللاما معبودهم الأكبر.
وهم يعتقدون أنه أزلي لا يموت محيط بكل الأمور جامع لأنواع الفضائل ويسمونه أب السماوات وهو لا يرى إلا في مكان سري في قصره يجلس فيه الأربعاء بين مئات من