كانت العقول في أوربا قبل انتشار العلوم والفنون بين خاصتها وعامتها أشبه بالعقول الآن في معظم البلاد العربية تستهويها الخرافات والخيالات، وتستغويها الأباطيل والترهات، فيتلقى المرء فكره عن أمه ومرضعته، أو عن خادمه وخادمته، أو عن محيطه وبيئته، وكلها عوامل جهل مركب، وأدوات إضلال وانحلال. ومن ذلك ما كان القوم يذهبون إليه من المذاهب في إطالة الأعمار ويتناولون من أجله الأشربة والمعاجين، ويعمدون إلى اتخاذه من أساليب تنتهي بالموت لا بالحياة. ولا يزال فينا قسم عظيم من أهل التخريف، يعتقدون هذا الاعتقاد السخيف، ويعملون بوصفات وردت في بعض كتب الطب القديم التي ما كانت قط عند الثقات معمولاً بها أو يذكرها العجائز والشيوخ وينقلونها خلفاً عن سلف.
وقد بحث هذا الشهر أحد علماء الإفرنج في أسرار الشبيبة فقال ما تعريبه: غصت الأجيال القديمة بالأساليب الغريبة لحفظ الشبيبة وكان المفكرون يصرفون من ذكائهم وأعمالهم شطراً كبيراً إرادة تمديد حدود الحياة البشرية. وما من حكيم إلا واهتدى إلى مذاهب في هذا الباب. وقد حوى علم التنجيم والكيمياء والطب وما يتصرف عليها من أنواع هذه الأدوية ألواناً وضروباً.
نشر أحد أطباء الألمان في القرن الثامن عشر كتاباً رأى فيه أن خير ما يبعد الهرم ويبقي على الشباب ما استعمله النبي داود في شيخوخته قائلاً أن الجسم المثقل بالأيام يستفيد من الاحتكاك بالجسم القريب العهد بالولادة أي الجسم الهرم البالي من الجسم الفتي الشديد. وقد عمد إلى استعمال هذا الدواء كثير من أهل الحكمة والفلسفة ومنهم غاليين في القديم وهو عالم التشريح اليوناني المناقض لأبقراط في مبادئه الطبية وممن قال به في العهد الحديث روجر باكون الراهب العالم الإنكليزي الكبير المتوفى سنة ١٢٩٤. ذلك لأنهم زعموا أن ريح الشباب تعدي الشيوخ والأجسام السليمة الجيدة التركيب ولاسيما الغضة الإهاب تزيد الشيوخ والضعفاء قوة لما ينبعث منهم من الروائح الطيبة والأبخرة السليمة الشهية ولما فيهم من المزايا والقوة.
وعندما بلغ داود على ما في الكتاب الأول من سفر الملوك السبعين من عمره اقترح عليه خدمته أن يتزوج فتاة فانتفع بذلك. وارتأى كثير من الأطباء ومنهم كوهزن أن نفس الفتاة من أنفع الأمور للشيخ الهمّ قائلاً أن نفس القوي يقوّي كما أن نفس المسلول يؤذي. وما