كان غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا في صباه كما هو الآن خطيباً مصقعاً ولسنا مفوهاً لا تسنح له فرصة كلام إلا وتجد لسانه في النطق يسابق الكهرباء في السريان ولم يتخذ لمران قوة بيانه وفصاحة لسانه إلا أعقد المسائل السياسية وأهمها فلم يسمع منه في شبيبته سوى قراع الكتائب والسيف والمدفع وطبل الحرب وميدان الوغى. زادت حميته وقويت حجته وشكيمته في عهد أبيه المسكين الذي قضى أيام ملكه على فراش المرض وبين أيدي الطبيب والجراح ولقد نسي الابن إذ ذاك أباه ولم تأخذه عاطفة من عواطف حب الابن والده وتغلبت عليه شهوة الملك فكنت تراه في خلال مرض أبيه - وكان يقضي عليه أن يختفي عن الأنظار ويلازم فراشه في ساعاته الأخيرة ليخفف آلامه قبل أن يتجرع حمامه - لابساً ثياب الحرب ممتطياً صهوة جواده يطوف الطرق ويتنقل من بلد إلى آخر ويخطب القوم حتى قال فيه بعض كبار الساسة على ذاك العهد أن هذا الأمير كبعض الممثلين له شغف باللباس والكلام ولو كان من أبناء فرنسا لعذرناه على الطيش والحمق.
ومن حسن حظ ألمانيا أن قيصرها لم يكن رجل قول بل كان الفعل أقرب إلى قلبه والعمل أسهل لديه من تحريك اللسان فلما تولى الملك استبدل الفتيان والصبيان بالشيوخ والكهول فجدد بذلك حياة الإمبراطورية وقيد اسمها في سجل الدول الكبرى التي يدير دفتها الشباب وتدبر أمورها الفتوة فكأنه قدَّ من حديد أو صيغ من فولاذ لا يستقر على حال يتجول في الأرض فكأنه ملك من ملوك القرون الوسطى تقمصت نفسه في نفس غليوم.
أشتهر عن غليوم بأنه من رجال العمل ولكن شتان بين عمله وعمل غيره من الملوك وحسبنا على صدق هذا القول ما تكتبه الصحف عنه كقولها غليوم السائح وغليوم الخطيب وغليوم ينادي بأنه ملك ملوك الأرض وغليوم يؤنب أشراف مملكته ويمتدح جندها وإمبراطور ألمانيا يغير ثياب الجند وملابس رجال البلاط والقيصر غليوم يطرد بسمارك ويتفرد بالملك والسياسة وإمبراطور ألمانيا يضرب الأرض بأعدائه وإمبراطور ألمانيا الشاعر المصور المستعمر.
وقد يعجز القلم عن ذكر ما للإمبراطور من الصفات الكريمة والسجايا الفاضلة التي تميز