للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[نحن وأوربا]

أيها السادة الأخوان:

التاريخ كما لا يخفى عليكم يلقح فكراً جديداً وتاريخ كل أمة مرآة أعمالها تنعكس عليها صورتها. فلا يشقن عَلَى بعضكم إذا سمعوا في هذه الجلسة كلاماً في تاريخنا السياسي الأخير لم يعهدوه من قبل أو لم ينطبق مع رغائبهم فالأفضل لكل أمة تريد النهوض أن تعرف ماضيها حق معرفته وتقف عَلَى ما دبره ويدبره أعداؤها لها من أن تتحدث بالخيالات وتتمجد بالأباطيل فصديقك من صدقك لا من صدّقك. وفي الماضي لمن بقي اعتبار.

موضوعنا الليلة علاقة أوربا بالمملكة العثمانية وعلاقتنا بأوربا نفيض فيه بقدر ما تساعد الحال لتتلجلي لنا الحوادث والكوارث التي جرت في هذا الشرق العثماني وخصوصاً في بلاد البلقان التي قامت حكوماتها الصغرى منذ أسبوعين تجاذبنا حبل السلطة في مقدونية بل في بلاد الروم أيلي أي أملاك الدولة العلية في قارة أوربا.

قد يعد من يلقي أقل نظر في تاريخ العرب الفاتحين من أغلاط الفتح التي ارتكبها بنو أمية أن قذفوا بأحد قوادهم إلى شبه جزيرة إسبانيا يفتحون جزؤاً مهماً منها سموه الأندلس فهزم العرب سكان البلاد الأصليين إلى الجبال ولم يفكروا من جاء بعد الفاتحين في طريقة للخلاص من عاقبة أمرهم كأن يدخلوهم في الإسلام أو يخضعوهم بحد الحسام أو يجلونهم عن أرضهم بسلام.

وقد أدرك سيد بني أمية أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مغبة نزول المسلمين في أرض يحيط بها أصحابها الأول من أطرافها فأمر أحد عماله أن يرسم له مصور بلاد الأندلس ويريد إجلاء العرب عنها لأن مقامهم فيها غير طبيعي. وبعد وفاة هذا الخليفة ترك ذاك الأمر وشأنه وتأصل الإسلام في ربوع الأندلس وأزهرت فيه مدنية العرب هناك فقامت الأندلس بنحو النصف من هذه المدنية الباهرة والباقي تم في بغداد وفي باقي عواصم الإسلام الكبرى ولم ينجل المسلمون عن غرناطة آخر عاصمة للعرب في بلاد الأندلس إلا سنة ٨٩٧ للهجرة أي أن نظرية عمر بن عبد العزيز صحت بعد ثمانية قرون وكأنه أدرك بسديد نظره رحمه الله أن الأخلاف لا يسيرون عَلَى سنة الأسلاف في الحساب للعواقب وأنهم ربما شغلوا بما في الأندلس من الخيرات عن قطع شأفة العدو