يفتتح المقتبس عامه الرابع بحمد الله ثناؤه والشكر على ما وفق إليه من نشر الحقائق التي يهديه إليها البحث والدرس لاهجاً بالدعوة التي طالما دعا إليها مجملاً ومفصلاً من أن مقصده نبث دفائن المدينة العربية وبث خزائن الحضارة الغربية مع ما يقتضي لذلك من النظر في تاريخنا وتاريخ الغربيين وآدابنا وآدابهم ومناحينا وأعمالنا وأعمالهم ناعياً عَلَي الجامدين عَلَى القديم إذ الاقتصار عليه وحده هو العقم بعينه داعياً إلى تناول الضروري من الحديث لأن القديم وحده يبلى ولا حديث لمن لا قديم له ومن لم يحرص على جديده فهو أقرب إلى الزهد كل حين بقديمه.
ندعو إلى الأخذ بمعارف الغربيين لأن ما أصاب هذا الشرق من ضعف العقول والملكات نشأ عن انصراف القلوب عن الاهتداء بهديهم ونهج سبيلهم في مادياتهم ومعنوياتهم والوقوف عند حد ما رسمه المخرفون والمخرقون فصدونا عن سبيل الانتفاع بالماضي وبالحاضر وحرموا بالتعصب الممقوت ما لم يحرمه عقل ولا نقل وسدوا الآذان عن سماع داعي المدنية وغضبوا عن الإبصار عن النظر في بدائع العلم والصناعة.
وإن المقتبس ليغتبط اليوم بصدوره من ضفاف بردى بعد أن انتشر عَلَى ضفاف النيل ثلاث سنين ولئن كان بردى بعض جداول النيل وترعه فإن المسك بعض دم الغزال ولئن قدر لمصر اليوم أن تسبق الشام في قوتها الأدبية والعلمية فليس ذلك من الجديد لما عرف به قديمها وإن كان وادي النيل أفسح وأخصب فوادي جلق الفيحاء أثمر وأعشب والسر في السكان لا في المكان. فعسى أن لا تكون أرض الشام أقل استعداداً لقطف ثمرات العلوم والمعارف وأن يظل مؤازرونا على إتحاف هذه المجلة بنتائج عقولهم فلا تعظم فائدة العمل إذا استقل به الفكر الواحد ولا تتنزع بفرد أفانين الفنون والآداب ونسأله تعالى تسديدنا وهدايتنا.