في الإنسان كما في سائر أنواع الحيوان سائق طبيعي يدعوه أبداً إلى السعي وراء ما يحفظ حياته ويطيل حبل أجله. فحب الحياة أمر فطري ولذلك احتاج الإنسان حرصاً على بقائه إلى طعام يقوته ولباس يدفع عنه عوادي الحر والقر ومسكن يأوي إليه وغير ذلك.
كان الإنسان أول أمره قليل الحاجات جداً وذلك أيام كان يهيم في الغابات والآجام ويقتات من الثمار الطبيعية أو مما يصيده من الحيوانات والطيور والأسماك ويكتسي من جلود هذه الحيوانات ويأوي إلى المغاور والكهوف وأصول الأشجار الضخمة والأدواح الباسقة.
أما الآن فما أكثر حاجات الإنسان فإن تقدم المدنية ونمو العمران أحدثا أشياء كثيرة أصبحت اليوم من ضروريات الحياة. فبعد أن كان الإنسان في أدواره الأولى لا يعاني كبير أمر في سد حاجاته غداً الآن مقيداً ينوء تحت أعباء الحياة ومطالبها وليس في حاجاته ما يسهل نيله سوى استنشاق الهواء وشرب الماء وما خلا ذلك فمحتاج إلى فرط كد وعناء. تنوعت المآكل والملابس وتغيرت المساكن وتزايد حب الزينة والظهور في مظاهر الأبهة والتفخل وعظم الميل إلى التلذذ بأمور مادية ومعنوية وأدبية على ضروب شتى لا يحصرها حد ولا يحصيها عد.
وبديهي أن الرجل في المجتمع الإنساني لا يستطيع نيل مطالبه العديدة إلا بسعي خاص لحصولها أو بدفع ما يقابلها من المال الذي هو ثمرة عمله أو ثمرة عمل سابق أتى به من قبله. وكيف كان الحال فالحصول على المطالب لا يمكن إلا من طريق السعي والعمل. ومهما اختلفت أعمال البشر وتنوعت فإنها ترمي إلى غاية واحدة وهي سد مطالب الحياة. وقد حقق أهل الأخصاء في هذا الشأن أن الأعمال المشار إليها خاضعة لقوانين عامة. فكما أن الأجسام وقوانين الأجسام تابعة لقوانين عامة مقررة في العلم الطبيعي فكذلك مساعي الإنسان المصروفة في تقاضي الأشياء النافعة له خاضعة لقوانين عامة. وهذه القوانين هي موضوع علم الاقتصاد ولذا يقال في تعريف هذا العلم أنه علم تعرف به القوانين العامة التي تبين مبلغ تأثير مساعي الإنسان في الحصول على المواد المختلفة والانتفاع بها مما لم تمنحه الطبيعة عفواً. ويمكن إرجاع هذه القوانين إلى أصل واحد وهو أن كل إنسان يجتهد