تقدم لنا في صدر هذا الجزء أن للجاحظ كتاباً كثيرة في معظم العلوم. وكتابه الحيوان هو أم كتبه ومن أحسن ما خط بنانه بدليل أن كثيراً من العلماء فيما مضى خدموه وعنوا به فالأديب منهم اقتصر على ما ورد فيه من الفوائد الأدبية واللغوية والعالم جرده من الأدبيات واقتصر فيه على العمليات وممن اختصره عبد اللطيف البغدادي العالم الحكيم المشهور والقاضي السعيد بن سناء الملك الشاعر المصري المشهور وسمى المختصر روح الحيوان وقد قال فيه صاحب وفيات الأعيان: ومن أحسن تصانيفه وأمتعها كتاب الحيوان فلقد جمع فيه كل غريب وكذلك كتاب البيان والتبيين ضبع البيان والتبيين منذ بضع سنين إلا أن نفوس العالمين والمتأدبين ما برحت مشتاقة للانتفاع أيضاً من كتاب الحيوان الذي ورد ذكره على كل لسان واشتهر أمره على كر الدهور والأزمان.
وقد أحياه بالطبع هذه الآونة الفاضل محمد أفندي السامي المغربي فطبع منه إلى الآن أربعة أجزاء وبقي منه ثلاثة وذلك على نسخة مخطوطة في دار الكتب الخديوية مقابلاً على نسخة في مكتبة الأزهر وذلك بحرف واضح وشكل بديع وورق جيد مثل جميع ما طبع حتى الآن.
وأنا لا تحضرنا عبارة في بيان فضل هذا الكتاب فإن ما صدر منه لم نتمكن من مطالعته كله ولو طالعناه مرة ما اكتفينا به لأن كلام الجاحظ كلما كرر حلا وحسن به النفع. الكتاب تتمثل في كل صفحة من صفحاته عقل الجاحظ وفضل علمه وسعة مداركه واطلاعه في فنون الأدب والشعر ولو اعتمدته المدارس في دهرنا لتدريس فن الأدب لجاء من قارئيه ومتدارسيه كتاب يعيدون العربية إلى سابق حياتها والأدب إلى نضرته المعروف بها في عصور الحضارة الإسلامية الأولى. وكنا نود لابتهاجنا بإحياء كتب الجاحظ اليوم أن نخص هذا الجزء برمته بالكلام على الجاحظ ومصنفاته بالتفصيل لولا أن رأينا أننا لو وقفنا على ذلك مجلد سنة ما وفيناه ووفيناها ما يجب من الإفاضة ولذلك فإنا نتقدم إلى كل أديب ومحب للمطالعة أن لا يخلي خزانة كتبه من كتاب للجاحظ وإن كتبه إذا جمعت كلها لتغني عن عشرات من المجلدات في الأدب والتاريخ والشعر والعلم.