أقدم الشعراء عصراً. ومقدمهم شعراً وذكراً. وقد اتسعت الأقوال في فضله اتساعاً لم يغز غيره بمثله حتى أن العامة تظن بل توقن أن جواد شعره لا يكبو وحسام نظمه لا ينبو. وهيهات من البشر الكمال. ومن الآدميين الاستواء والاعتدال. يقول في قصيدته المقدمة. ومعلقته المفخمة:
فما كان أغناه عن الإقرار بهذا وما أشك غفلته عما أدركه من الوصمة به وبذلك أن فيع أعداداً كثيرة النقض والبخس منها دخولاً متطفلاً على من كره دخوله عليه. ومنها قول عنيزة لك الويلات وهي قوله لا تقال إلا لخسيس. ولا يقابل بها رئيس. فإن احتج محتجٌ بأنها كانت أرأس منه قيل له لم يكن ذلك لأن الرئيسة لا تركب بعيراً يدرج أو (يموت) إذا زاد عليه ركوب راكب بل هو بعير فقير حقير فإن احتج لأنه بأنه صبر على القول من أجل أنها معشوقة قيل له وكيف يكون عاشقاً لها من يقول لها:
فمثلك حُبلى قد طرقت ومُرضعاً ... فألهيتها عن ذي تمائم مُحول
وإنما المعروف للعاشق الانفراد بمعشوقته واطراح سواها كالقسيسين في ليلى ولبنى وغيلان بمية وجميل بثينة وسواهم كثير. فلم يكن لها عاشقاً بل كان فاسقاً. ثم أهجن هجنه عليه. وأسخن سُخنه لعينيه. إقراره بإتيان الحبلى والمرضع. فأما الحبلى فقد جبل الله النفوس على الزهد في إتيانها. والإعراض عن شأنها. منها أن الحبل علة وأشبه العلل بالاستسقاء. ومع الحبل كمود اللون. وسوء الغذاء. وفساد النكهة. وسوء الخلق وغير ذلك ولا يميل إلى هذا من له نفس سوقي. دع نفس ملوكي. وأعجب من هذا أن البهائم كلها لا تنظر إلى ذوات الحمل من أجناسها. ولا تقرُب منها حتى تضع أحمالها. أو تفارق فصلانها. ثم لم يكفه أن يذكر الحبلى حتى افتخر بالمرضع وفيها من التلويث بأوضار رضيعها. ومن اهتزالها واشتغالها عن أحكام اغتسالها. وقد أخبر أن ذا التمائم المحول متعلق بها بقوله فألهيتها عن ذي تمائم محول وأخبر إنها ظئر ولدها لا ظئر له ولا مرضع